عندما يقول رئيس الوزراء الفرنسي عن عملية باريس الإرهابية القذرة أنها «دُبِّرت ونُظِّمتْ وخُطِّط لها في سورية» وعندما يقول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن مصالح بلده غدت معرضة للخطر «ويجب أن نتحرك في سورية» ثم عندما يصر وزير الخارجية الأميركي جون كيري على أن هناك تعاوناً بين «داعش» ونظام بشار الأسد وأنهما «يتشاركان» في استخراج النفط وتسويقه وأنه ما لم يتم القضاء على هذا التنظيم الإرهابي وعلى هذا النظام ومعاً فإنه لا استقرار لا في هذا البلد ولا في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها !!
ولعل ما يستدعي إثارة أسئلة كثيرة أن بشار الأسد قد بادر, بعد الإعلان عن جريمة باريس مساء يوم الجمعة الماضي بدقائق, إلى تحميل الحكومة الفرنسية مسؤولية هذه الجريمة بسبب ما اعتبره تدخلها في الشؤون السورية الداخلية وحقيقة أن هذا ينطبق عليه ذلك المثل القائل: «يكاد المريب أن يقول خذوني» فالمعروف أنَّ هذا النظام, نظام بشار الأسد, كان قد أطلق تهديدات مبكرة بأنَّ العنف والإرهاب سيعمُّ هذه المنطقة إنْ بقي نظامه مستهدفاً من قبل مجموعات المعارضة التي كان قد أصرَّ وهو لا يزال يصرُّ على أنها مجموعات إرهابية لا حوار معها ولا بد من القضاء عليها بالقوة وبالسلاح .
إنَّ هذا الذي نشير إليه ليس من قبيل إطلاق التهم جزافاً ولذلك وبانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات والتقصِّيات الفرنسية وغير الفرنسية فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار قول رئيس الوزراء الفرنسي الآنف الذكر إنَّ هذه الجريمة: «دُبِّرتْ ونُظِّمت وخُطط لها في سورية» وإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن هذا النظام, في عهد الأب والابن, صاحب باع طويل في هذا المجال وهنا فلعل هناك من لا يزال يذكر أن نوري المالكي, الذي يعتبر رجل إيران في العراق, كان قد حمَّل بشار الأسد ونظامه مسؤولية تلك الانفجارات التي ضربت وزارة الخارجية العراقية وأهدافاً رسمية أخرى وفي قلب المنطقة الخضراء وكان قد قدَّمَ شكوى بهذا الخصوص إلى مجلس الأمن الدولي .
الكل بات يعرف أن تنظيم «داعش» الإرهابي قد أعلن مسؤوليته عن هذه الجريمة لكن من الواضح أن هذا الإعلان لم يكن كافيَّاً وأن الفرنسيين والبريطانيين والأوروبيين عموماً ومعهم الأميركيين سوف يلجأون, ويبدو أنهم قد لجأوا فعلاً, إلى عمليات استقصاء استخبارية للتأكد مما إذا كانت أجهزة نظام بشار الأسد متورطة في هذه الجريمة أم لا؟!! ويبدو هنا أنَّ وراء إصرار وزير الخارجية الأميركي جون كيري على أن هناك تنسيقاً بين هذا النظام السوري وبين «داعش» معلومات مؤكدة وأنه سيكشف النقاب عن هذه المعلومات في اللحظة المناسبة .
وفي كل الأحوال إنَّ الواضح أن القادم سيكون أعظم وأنه بعد كل هذا التطورات الخطيرة يمكن القول أن الأزمة السورية بكل هذه الأبعاد الخطيرة قد بدأت الآن وأنَّه سيثبت قريباً إن كل هذا التغني بـ «إنجازات» (فيينَّا2) هو مجرد أوهام لا وجود لها على أرض الواقع وأن رئيس الوزراء الفرنسي عندما يقول: «إن جريمة باريس قد دُبِّرت ونُظمت وخُطط لها في سورية» فإنه يلزم نفسه أمام شعبه المكلوم بعمل عسكري ضد بشار الأسد الذي سارع إلى تحميل مسؤولية هذه الجريمة لما أسماه التدخل الفرنسي في الشؤون السورية .
إنه لا يمكن تحاشي عملاً عسكرياً واستخبارياً فرنسياً وأوروبياً وربما أميركياً أيضاً ضد نظام بشار الأسد إلَّا في حالة واحدة وهي أن يتخلى الروس عن عنادهم المثير للتعجب والاستغراب وأن يقبلوا ببيان (جنيف1) كما هو وبدون إقحام موضوع مواجهة الإرهاب كأولوية على ما جاء في هذا البيان وحقيقة أن هذا كما يبدو قد يكون وارداً بالفعل إذْ أنه لا مصلحة للرئيس فلاديمير بوتين بأن يضع نفسه ويضع بلده في مركب آخذٍ بالغرق بات, بعد كل هذا التخبط, من المستحيل إنقاذه !!