أخرجت إسرائيلُ لسانَها مستهزئة بأوروبا، في اليوم التالي بالضبط بعد مجزرة باريس يوم الجمعة 13/11/2015 ، بعد قتل مائة وثلاثين فرنسيا!
حاولت أن أتابعَ ما ينشرُ في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبخاصة من كُتَّابهم المختصين بالشؤون الأمنية، ممن يحصلون على معلوماتٍ خاصة، من المطبخ الأمني!
جرى الحدثُ على وقع استياء إسرائيل من دول السوق الأوروبية المشتركة، التي أقدمت بمجموعتها المكونة من ثمانية وعشرين دولة، على الاتفاق على (وسم) منتجات المستوطنات الإسرائيلية، أو وضع إشارة على هذه المنتجات، لكي يتمكن المستهلك الأوروبي من تمييزها عن غيرها، والاختيار بين شرائها، وعدم شرائها فقط، مع استمرار تلك الدول في استيراد بضائع المستوطنات، فالوسم لا يدعو إلى المقاطعة، بل هو إرشاد للمستهلك!
وبلغ استياءُ إسرائيل الذروة، عندما أقدمتْ بعض دول أوروبا على تقديم مشاريع لإرغام إسرائيل على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، على أن تقوم بتجميد الاستيطان.
وبلغ استياءُ إسرائيل من فرنسا الذروة، عندما كُشف النقاب عن مشروعٍ فرنسي، ينطلق من مبدأ حل الدولتين، وفق حدود عام 1967 !
والأكثر إزعاجا لإسرائيل، هو بداية اعتراف دول أوروبية بفلسطين كدولة مستقلة!!
استاءتْ إسرائيل من تجرؤ أوروبا على فعل ذلك، وبدأ المطبخ الدبلوماسي الإسرائيلي في محاصرة هذه التوجهات الجديدة، التي شذَتْ عن المخططات الإسرائيلية!
تَمكَّن دهاقنةُ السياسة الإسرائيليون من جعل بعض الدول تتراجع عن قراراتها، واستطاعوا ربط بعض تلك القرارات باللاسامية، وبخاصة، قرار وسم بضائع المستوطنات، وجعلوه(هولوكوست تجاري)!
كانت مجزرة باريس الأخيرة فرصة لإسرائيل لتتولى ربط المجزرة، بما يجري من أحداث، فالعلاقة بين مجزرة باريس، والطائرة الروسية علاقة وثيقة، والأهم أنَّ المجازر التي ترتكبها داعش، (تُماثلُ) بالضبط، أحداث الهبَّة الجماهيرية الفلسطينية ، التي تجري اليوم، (إذن فإن الهبة الفلسطينية عملٌ إرهابيٌ)!!
واخترتُ مقالا للمعلق العسكري الأمني، رون بن يشاي، في صحيفة يديعوت أحرونوت، وهو من أبرز المطلعين على خبايا السياسة، ليس بحكم انضمامه إلى كتيبة غولاني الخاصة فقط، بل لأنه من أبرز محاضري الأمن في جامعة تل أبيب، بن يشاي، برعَ في استغلال المجزرة لمصلحة إسرائيل، وأشار إلى أبرز آليات توظيفها، فهو يقول، بعد يومٍ واحد فقط من المجزرة، يوم 14/11/2015:
" ها هي أوروبا قد فشلت في ملف الاستخبارات، فعملية باريس، تحتاج إلى شهور لإعدادها، فهي بحاجة إلى خطة، وإلى تخزين أسلحة، وإلى تجنيد إرهابيين، وإلى مراقبة للمكان المستهدف، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالتعاون الاستخباري بين الدول!!
(ويمكن لأوروبا أن تستفيد من تجربة الشاباك والموساد كموديل لمحاربة الإرهاب)!!
كما أن أوروبا راعية الحريات وحقوق الإنسان، تفرض اليوم إجراءات أمنية، وتعلن حالة الطوارئ!! ( وهذا بالضبط ما تفعله إسرائيل، مع الفلسطينيين، فلا يحقُّ لمنظمات حقوق الإنسان أن تُطارد إسرائيل في المحافل الدولية، وفي الإعلام، وفي مجال المقاطعة التجارية)!!
فرنسا اليوم، تشبه إسرائيل، فالمجزرة التي وقعت في باريس هي مجزرة ضد رائدة التنوير والثقافة، إن أبرز الضروريات في وسط هذا العماء الإرهابي؛ إعادة النظر في مفهوم الإرهاب! وهذا بالضبط ما يجري لإسرائيل، رائدة الحريات والديمقراطيات في وسط الشرق الأوسط الديكتاتوري! ويُضيف:
ما يجري هو حرب ضد الحضارة ( إذن، نحن وأوروبا في قاربٍ واحد)!.
سيعارضُ الليبراليون وأنصار الحريات، الإجراءات الأمنية في أوروبا في البداية، ولكنهم سيصمتون ويقتنعون في النهاية!
ويختتم رون بن يشاي تحليله بأن كل ما يجري من أحداث في العالم (لا علاقة له بما يسمى[ قضية فلسطين] )!!
لسان إسرائيل المستهزئ، يُشير بالتأكيد إلى أكبر إنجازات إسرائيل الدبلوماسية، وهذا الإنجاز هو الخُطوة الأولى لتفكيك آخر حلقات فلسطين، للتخلص نهائيا مما كان يُسمَّى (القضية الفلسطينية)!
فلم تعد هذه القضية قضيةً حقوقية، بل هي تقعُ ضمن موجة الإرهاب، بل إن داعمي هذه القضية، من العرب، ومن العالم، سوف يلاقون المصير نفسَه الذي لا قتْهُ فرنسا، وما ستلاقيه أوروبا في المستقبل القريب، ولا مجال إذن إلا بالتعاون مع إسرائيل، فهي خبير الأمن الأول، وهي مخلصةُ العالم من الإرهاب!!