يهبط جون كيري في مطار اللد اليوم، وفي استقباله اجواء ومناخات مغايرة عن تلك التي سادت خلال محاولاته الفاشلة «اقناع» نتنياهو بتسهيل مهمته (اضف اليه السلطة ورئيسها ) الى ان انتهت تلك الجهود الاميركية غير الجادة في نيسان 2014 الى فشل ذريع , شكّل صفعة قوية لادارة اوباما ولرئيس دبلوماسيته على وجه الخصوص , رغم ان باراك اوباما كان نأى بنفسه عن مهمة كيري مكتفيا تقديم دعم معنوي لها , مُعتبرا انه سيكون في منأى عن تبِعات فشلها ومُستفيداً في كل الاحوال في حال نجاحها , وهو امل كان مُستبعدا لدى اركان ادارته.
ليس في حقيبة كيري اي جديد، وهو منذ فشل مهمته اعلن كما رئيسه، ان واشنطن قد «غسلت» يديها من «الوساطة» بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، ما يعني ان زيارته الراهنة لا تعدو كونها بروتوكولية ولعِباً في الوقت بدل الضائع، ومحاولة لاسترداد ما تبقى من هيبة او من بعض ماء الوجه الذي فقدته كثيراً ادارة اوباما , بعد ان مضت طويلا في الانحياز الى اسرائيل وإبداء المزيد من الضعف ازاء غطرسة وصلف نتنياهو، بل هي وقفت عاجزة عن رد كل اساءات واحتقار وتحدي رئيس حكومة اليمين المتطرف في اسرائيل وتدخله السافر في شؤونها الداخلية وتحديه رئيسها الذي ما فتئ يرطن بحقوق الانسان والقيم الاميركية وغيرها من المصطلحات فارغة المضمون , التي يتمسك بها المُستعمِرون الغربيون في واشنطن ولندن وباريس، دون ان تجد لها ترجمة على ارض الواقع، اللهم الا عبر تدمير الدول ونشر الفوضى فيها والعمل على اطاحة الانظمة التي لا تتماشى مع مصالحهم الخاصة والتي ترتكز على «مبادئ» نهب ثروات الشعوب واستتباعها والتحكم في قراراتها وانتهاك سياداتها , ودائما في «تعيين» قادتها، الذين يتحولون الى دُمى في يدها , يتحركون وفق ايقاع الريموت كونترول الذي يتولى توجيهه ضابط صغير في اجهزتها الاستخبارية.
جون كيري قادم الى فلسطين بهدف اعلنه قبل مجيئه وهو العمل على «تهدئة» الاوضاع المتدهورة بين تل ابيب والسلطة الفلسطينية، هدف متواضع لا يحتاج الى جهد كبير وهو اقرب الى مهمة تُسند الى موظف اقل رتبة وأهمية من رئيس دبلوماسية دولة عظمى ان لم نقل الدول الاعظم (حتى الان) في العالم، بكل ما يُلقيه هذا الموقع على صاحبه من مهمات وادوار واعباء وبخاصة في ظل الازمات التي تعصف بالعالم والحرائق التي تشتعل في جنباته وعلى تخومه , خصوصاً في المنطقة التي ظلت حِكراً على النفوذ الاميركي ممنوع الاقتراب لأحد من الدول الكبرى الاخرى منها , تحت طائلة الإبعاد او النبذ او تحريض الانظمة التابعة لها في المنطقة... عليها , وخصوصا في ملفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والنفط، وكانت التجربة السوفياتية – وربما ما تزال–المثال الحي على «وحدانية» التملك الاميركي لقضايانا والتحكم في مساراتها، التي يبدو انها توشك الوصول الى نهاياتها، اقله في كسر التفرد الاميركي وتحكمه في القرار، والذي تجلى في الدخول الروسي المباشر والميداني في المنطقة , ما يعني ان «شريكاً» قد فرض نفسه على «الوصي» الاميركي, وعليه ان يتعاطى مع المشهد المستجد , وفق هذه المعطيات التي فوجئ بها او على الاقل لم يكن يستطيع ايقافها، او تعطيلها او افشالها (وهو سيعمل على ذلك بالتأكيد).
عودة الى كيري..
قد يكون لدى المستر كيري بعض الوقت لتزجيته، فـ(صرف) 48 ساعة في التنقل بين رام الله والقدس المحتلة، لن يؤخر كثيرا جدول اعماله الذي لا يبدو مزدحما، بعد ان عصفت به الوقائع السورية وشطبت جزءا مهما منه تفجيرات باريس وتغيُّر مقارباتها واولوياتها في شأن مستقبل العملية السياسية في سوريا، فضلا عما سيغدو عليه المشهد في الشرق الأوسط بخريطة تحالفاته والاصطفافات المتوقعة وربما المفاجئة التي ستُميز الحراك السياسي فيها والمستقبل الذي ستفرضه الميادين العسكرية في الاراضي السورية تحديدا بل وخصوصا في الشمال السوري وعلى جانبي الحدود بين سوريا وتركيا اردوغان التي يعلو صوتها وتتكاثر تهديداتها وترتبك حساباتها بعد ان وصل الجيش العربي السوري – او في طريقه – الى حدود بلاده التي استباحها الارهابيون بمساعدة مباشرة من تركيا.
لا يبالغ بعض الساسة والهيئات والاحزاب الفلسطينية في وصفهم زيارة الوزير الاميركي الراهنة لفلسطين بانها محاولة لـِ(وأد) الانتفاضة الجديدة المتبلورة على ارض فلسطين منذ تسعة اسابيع، إلاّ ان ثمة مبالغة لديهم في «الإقرار» او الاعتقاد بانه قادر على ذلك، اذ ان ادارة اوباما فقدت تأثيرها وقدرتها على نتنياهو ولم تعد قادرة على اتخاذ اي خطوة عقابية تجاه احد سوى السلطة الفلسطينية وعلى الاخيرة قلع شوكها.. بيدها.