لا شك أن وتيرة الانتقاد الغربي للتدخل الروسي في سوريا قد خفتت إلى حد كبير بينما العنفوان الغربي يحاول الصمود في وجه مغريات التنسيق العسكري المباشر مع الروس.
أحداث «باريس» كانت بمثابة صفعة عنيفة لأوروبا لكنها في ذات الوقت منحت الزعماء الاوروبيين فرصة للمناورة بغرض الدخول العسكري الحقيقي على واجهة الأحداث في الشرق الأوسط بدون أدنى معارضة داخلية و ما وصول حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» إلى شرق المتوسط إلا الدليل على ذلك.
الخطوة الفرنسية سيتلوها خطوات اوروبية أخرى بلا شك و تجنب التنسيق العسكري مع روسيا لن يصمد طويلاً فروسيا أصبحت مرجعاً عسكرياً لا مفر للاساطيل الاوروبية من الاستعانة به.
يوماً عن يوم، تتضح حقيقة أن الضربات الجوية لن تغير المعادلة على الأرض و شروحات الخبراء العسكريين تؤكد أن القتال البري هو ما سينهي معضلة بقاء التنظيمات الارهابية على قيد الحياة.
السؤال الذي يطرح ذاته في هذه الأثناء، هل ستنطلق معارك برية على الأرض السورية بمشاركة دولية؟
الروس أيقنوا مبكراً أن وضع جيوشهم على الأرض ليس خياراً لا من ناحية عدم التقبل الدولي لذلك و لا من ناحية المخاطر آخذين بعين الاعتبار التجارب التاريخية التي انتهت بفشل ذريع، و الروس ليسوا بحاجة للدخول في أتون المواجهة البرية طالما بامكانهم استخدام الجيش السوري لهذه الغاية وهذا هو واقع الحال الآن.
روسيا تيقن أيضاً أن الطلب الأوروبي لودها بخصوص التنسيق العسكري لن يتأخر طويلاً فمفاتيح المعركة الآن بيد الروس لكن تقاطعات المصالح الدولية تؤخر هذا التقارب الذي سيفرض نفسه في نهاية المطاف وأي تنسيق عسكري من هذا القبيل لا مفر من أن يتعامل مع الجيش السوري، رغم أنه أولاً وآخراً جيش النظام، كأداة فعالة على الأرض.
الوقت لم يعد ملائماً لا لإزاحة الأسد و لا لتطبيق حل سياسي فكلا الأمرين تراجعا في قائمة الأولويات العالمية خصوصاً بعد ضربة الارهاب في قلب فرنسا.
الوضع في سوريا أبعد ما يكون عن نهاية واضحة، و عاجل الأولويات برأيي هو تعزيز الجيش السوري ميدانياً و عدة و عتاداً ليحتوي الفوضى العارمة هناك.
طروحات ادماج المليشيات العسكرية غير المندرجة ضمن قوائم الارهاب في الجيش السوري يجب أن تلقى اذاناً صاغية فذلك سيجعل المعركة على الأرض بين طرفين لا كما هو الحال الآن و في ذات الوقت ذلك سيهيئ لتسليم قيادة الجيش السوري في المستقبل لشخصية تلتقي عليها معظم الاطياف و تمكن الجيش السوري من أن يملأ أي فراغ سياسي ينبثق عن حلول سياسية تتلو احكام القبضة على الارهاب.
ما سبق يحتاج أن يتشكل ضمن مبادرة دولية تلتقي فيها كل الاطراف، لكن هل هذا ممكن ضمن تجاذبات المصالح بين الكبار؟
ضمن كل اللاعبين الاقليميين، الأردن مؤهل لقيادة مبادرة من هذا النوع و اذا نظرنا إلى المشهد الاقليمي من زاوية قدرة الأردن على الامساك بخيوط الحفاظ على العلاقات المتوازنة مع القوى العالمية المؤثرة، يمكن قراءة أن طرق النظام السياسي في الأردن الممهدة تجاه الغرب و روسيا رغم ما يشوب حفظ التوازنات ضمن هذه المعادلة من صعوبات جمة تعد سبيلاً للخروج من عنق الزجاجة.
الملك أنهى للتو زيارة اوروبية لا بد أنها مكنته من فهم التوجهات الاوروبية بعد «باريس» و سيحل ضيفاً على الكرملين. من جهة أخرى، البيت الأبيض و الكرملين هما وجهتا الرئيس الفرنسي هولاند لمباحثات الحرب ضد الارهاب و اذا ما اضفنا إلى ورقة الملاحظات زيارة بوتين إلى إيران، نكون أمام تحرك دولي كبير قد ينجم عنه مبادرة دولية كبرى. هل سيقود الأردن هذه المبادرة الدولية؟ لنترقب.