قليلة هي المقالات العبرية التي تبوح بحقيقة الأمر، وتعترف بمدى الخطر الذي تشكله إسرائيل ليس على الآخرين فقط، بل على اليهود أنفسهم، نحن عربا ومسلمين، لا نكره اليهود، ولا نرغب بأن نسبب لهم أي أذى، فقط «العبوا بعيدا عنا» حيث كنتم، وحيث تتحولون إلى بشر عاديين، يخضعون لقانون عادل، مواطنين شأنكم شأن أي مواطن في النمسا أو بلجيكا أو جزر الواق واق، أما أنتم هنا، في أرضنا المباركة، فوحوش وقتلة ومغتصبون وعنصريون، يروي أجدادنا كيف استقبلوكم في فلسطين في وقت مبكر من ثلاثينيات القرن الماضي وما قبلها، ضيوفا معززين مكرمين، بل أبناء بلد، وكيف تحولتم إلى عصابات كانت أول من مارس الارهاب في التاريخ المعاصر، على أيدي مجرمي حركات إرهابية مثل «ليحي» و»إتسل» و»الهاجاناة»، فوضعوا القنابل في الأسواق، وقتلوا الأطفال والمدنيين الآمنين، أنتم أيها المحتلون عار على البشرية، وكثير منكم يعرف هذا، ويحرّفه، ويلوي أعناق التاريخ والجغرافيا، من أجل خلق حقائق على الأرض، أو ما تتوهمون أنه حقائق، ليأتي طفل خليلي، يسرق سكين الملوخية من مطبخ أمه، ويعيد تذكيركم بحقيقتكم البشعة: محتلين مغتصبين مجرمين وقتلة أطفال! في لحظة صدق مع النفس، كتب يهودي اسمه «كوبي نيف» مقالا في هآرتس يوم 6/7/2015 عنوانه «لسنا في خطر، نحن الخطر» كان أشبه ما يكون ببوح ذاتي، أو «اعتراف» بين يدي الكاهن! في احدى حلقات الذروة للمسلسل التلفزيوني الرائع «كاسر الصفوف»، تطلب زوجة بطل المسلسل وولتر ويت، معلم الكيمياء الذي تحول الى منتج كريستال، أن يحافظ على نفسه لأنها تعتقد أنه في خطر. هو يرفع رأسه ويقول الجملة الدقيقة جدا – «لست في خطر. أنا الخطر». نحن أيضا، شعب اسرائيل، لو كنا نعرف أنفسنا قليلا، لكنا نظرنا الى وجوهنا في المرآة وقلنا نفس الشيء: «لسنا في خطر، نحن الخطر»... هكذا يبدأ نيف مقالته، وتنداح الاعترافات التي يعرف كل يهودي «إسرائيلي» أنها الوجه الحقيقي له، وإن لم يعترف بذلك، فيقول الكاتب الذي يبدو أنه مر بلحظة إنسانية تحدوه رغبة في التطهر مما يفعله بنو «قومه»: من كثرة استخدامنا للقوة بقينا من غير عقل. نحن فقط نستطيع استخدام القوة. نرى حشرة فنتخيل أنها فيل ونطلق عليها صاروخا. وكل قط يقوم بالمواء هو مجموعة ذئاب تريد القضاء علينا، ونسارع للقتال من أجل تدمير آلاف المنازل وقتل مئات الاطفال..تعالوا نعترف بالحقيقة، غزة (مثلا) ليست خطرا على وجودنا. وما يهدد وجودنا بالفعل هو الحصار الذي فرضناه على قطاع غزة. ليس فقط لأن الحصار لا يمنع اطلاق الصواريخ والحروب، بل فعليا يتسبب بها ويخلدها، ثم يستدعي الجريمة البشعة التي ارتكبها جنود صهيون بحق مرمرة، قائلا: لنأخذ مثلا «الاسطول» الأخير الى غزة. أي خطر يسببه لدولة اسرائيل؟ صفر. ومع ذلك، فان أحد رؤساء المعارضة يسميه «اسطول ارهاب»، وترسل اسرائيل أفضل مقاتليها العسكريين وتتفاخر بأنها نجحت في وقفه. ما حدث مع «مرمرة» كان أصعب. في حينه ايضا أرسلنا أفضل أبنائنا ووسائلنا الحربية من اجل وقف سفينة غير مسلحة ولم تشكل أي خطر، وقتلنا باستعلاء وغباء تسعة من مسافريها. وليس هذا فقط، بل يتذكر مواطنو اسرائيل حتى اليوم قصة «مرمرة» وكأننا نحن، المهاجمين والقتلة، الذين كنا في خطر، وكأننا هوجمنا بالعصي! .. بالامكان الحديث عن شيء واحد غير عقلاني، يهدد وجود إسرائيل، وهو أن اسرائيل تقوم به منذ أكثر من خمسين عاما – الاستيطان، الاحتلال والقمع. هكذا يصرخ أخيرا، ولكنها وسط جنون القوة والقتل والإجرام الذي تمارسه إسرائيل، صرخة في واد، لن يستمع إليها غير ذلك الكاتب، وربما نفر قليل من عقلاء اليهود، ولكن، حين تصل هذه الصرخة إلى أسماع بقية ابناء بني إسرائيل، سيكون الوقت قد فاتهم، إذ ربما لن يعيشوا، ولن يكونوا موجودين حتى لكي يسمعونها! كم يمكنكم ايها المحتلون، أن تعيشوا متكئين على سيوفكم، كما يقول زعيم عصابة القتلة، نتنياهو؟