في تسارع غير منضبط, يصعب التحكم فيه، تبدو قواعد «اللَعِبْ» في المنطقة هي الاخرى خاضعة لجملة من المتغيرات وبل الانقلابات المفاجئة، تدفع للاعتقاد أن الانزلاق الى حرب اقليمية مسألة وقت، إذا لم يتراجع اصحاب الرؤوس الحامية عن مواقفهم المتشددة حيث يرفعون شعارات اقرب الى الأوهام منها الى اي شيء آخر وكأنهم يقولون للاعبين الآخرين أن «الأمر لي» وهم يدركون اكثر من غيرهم ان الأمر ليس لهم بل ان قرارهم ووجودهم الشخصي والمادي ليس في ايديهم بل في يد السيد الابيض.
ما علينا..
في خضم التوتر والاحتقان الشديدين اللذين فرضهما الاستفزاز التركي غير المبرر باسقاط الطائرة المقاتلة الروسية، تبدو بنود لقاء فيينا «التسعة» وكأنها ذهبت في اتجاه التعقيد, على النحو الذي وصفته بدقة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في معرض تعليقها على هذا الحادث الذي وَسّع دائرة المواجهة وربّما أججّها، ما يعني ليس فقط احتمالات تأجيل انعقاد لقاء ثالث في النصف الأول من الشهر القريب، بل وأيضاً في عودة بعض الاطراف عن التعهدات والوعود التي بذلتها والتذرع بأن الأمور قد تغيّرت وبالتالي باتت الحاجة مُلحّة الى قواعد لَعِب جديدة يتوهمون ان بمقدورهم فرضها او اجبار الآخرين على التزامها.
في مقدمة بعض هذه القضايا والملفات تبرز مسألة توحيد المعارضات السورية وبلورة «وفد موحد» منها، يمكنه الجلوس على طاولة «المفاوضات» مع النظام السوري لتطبيق بنود وتفاهمات فيينا (الأول والثاني)، حيث انيطت المهمة بالرياض, ويبدو أنها ستكون مهمة صعبة إن لم نقل مستحيلة, في ظل ردود فعل اطراف المعارضة هذه التي تُنكر على «الاخرين» حق التمثيل او تحط من قيمتهم ووزنهم التمثيلي, بل ذهب خالد خوجة (التركي الجنسية والهوى) الذي يرأس ما يوصف بالإئتلاف الوطني القوي المعارضة والثورة، الى القول: بأن «ائتلافه» هو صاحب الحق «الوحيد» في تسمية ممثلي المعارضة السياسية والعسكرية , ما يكشف بالفعل حجم الفقاعة التي يعيش فيها هذا الرجل غير المعروف سورياً ولم يكن ذات يوم ناشطاً سياسياً أو حتى معارضاً قبل الازمة وبعدها, بل جاءت به الاستخبارات التركية واجلسته في مقعد الرئاسة وأمرت الاخرين برفع الايدي والتصويت له , تحت طائلة الابعاد والتهميش وقطع الرواتب والغاء امتيازات الفنادق الفخمة والسفر على مقاعد الدرجة الاولى.
ولأن الائتلاف الذي أعادوا «جثته» الى الحياة, بعد أن كانوا نعوها وغسلوا ايديهم منها (باستثناء تركيا اردوغان بالطبع) لم يعد موجوداً الا في وسائل الاعلام الثانوية, بعد ان عصفت به الخلافات ولفظته التشكيلات العسكرية والارهابية الموجودة ميدانياً في الداخل السوري, عندما رفضت «ادخال» احمد طعمة «رئيس» الحكومة المؤقتة وبعض وزرائه الى تلك المناطق , مُعتبرَة اياه غير جدير وبلا صلة, فإن طعمة سارع الى الاستقالة (..) معتبراً أن ما حدث معه هو «اول انقلاب عسكري في عهد الثورة».شاركه «مُتضامِنا»... المُتقلِب الدائم, ميشيل كيلو (يا للهول).
فهل ثمة امكانية لنجاح مسعى توحيدي.. كهذا؟
المُعطيات المتوفرة تشي بأن ذلك يندرج في خانة المستحيل , اللهم الا اذا كان المراهنون على تلك «الوحدة» المستبعدة, يَرومون من وراء ذلك «تظهير» بعض التنظيمات والكتائب والفصائل والجيوش العديدة المنتشرة على الاراضي السورية واعادة تأهيل الارهابيين بينهم (وهم الغالبية من هؤلاء) بهدف عدم وضعهم في قائمة المنظمات الارهابية ( انيطت مهمة التنسيق في هذا الشأن للاردن), وهو ما عبّر عنه بوضوح خالد خوجة نفسه عندما وجّه «نداء» الى جبهة النصرة (التي صنفها فيينا 2 منظمة ارهابية الى جانب داعش) كي «تفك «ارتباطها بتنظيم القاعدة.
هنا والان جاء اسقاط السوخوي الروسية بنيران تركية, كي يكشف وظيفة هذه المعارضات التي تُنسق خطواتها وتسجّل مواقفها (غير المؤثرة وغير الحكيمة) وفق أمر العمليات التي تُصدره دوائر الاستخبارات في انقرة وبعض دول الاقليم وغرف عملياتها.. فضلاً عن الصراع الذي احتدم الان بعد أن بدأ يقترب موعد ارسال «الدعوات» الى هذه المعارضات وبدأ هؤلاء يتساءلون أو قل يتسابقون في محاولة لحجز مقاعد لهم في قطار التسوية المنتظرة, رغم أن وزير الخارجية السعودي قال ان الرياض لم تحدد موعداً لمؤتمر كهذا حتى الان.
«المعارضات السورية» في تيه وارتجال للمواقف وضياع للبوصلة ليس فقط لأنها في معظمها نِتاج عملية استيلاء استخباراتي قصرية, بل ودائماً لانها لم تكن ذات يوم على صلة بهموم الشعب السوري وطموحاته, وبالتالي لن يختلف مصيرها عن تلك الوجوه والتشكيلات التي برزت في»ثورات» وانقلابات عديدة, ثم تم التخلص منها عند انتهاء صلاحيتها.