أخر الأخبار
“السوارنة” في مقابل “المصراوية”
“السوارنة” في مقابل “المصراوية”

عبدالله ناصر العتيبي

لنفترض أن ثورة ٢٥ يناير المصرية طالت، ولم تتمكن الجموع الحاشدة في ميدان التحرير من إسقاط الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ولنتخيّل سيناريو آخر غير الذي حدث. لنتخيّل أن الجيش المصري وقف في جانب الحكومة المصرية المغضوب عليها، وصار لها يداً حديدية تضرب بها من تشاء من المعارضين والمحتجين و«ناس الشوارع»!

سؤالي: هل سيتنادى المجاهدون في مشارق الأرض ومغاربها للتوجه إلى الأراضي المصرية لتحريرها من الرئيس الذي لم تعد له شرعية شعبية؟ وهل سيمثلون واقعاً مهماً على الأرض في حال اندلاع ثورة شعبية مسلحة ضد النظام وأجهزته؟

وإجابتي: نعم، بنسبة لا تزيد على ١٠ في المئة، ولا، ببقية النسبة. فمسلمو مصر الذين بيدهم تغيير المعادلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحلية يتكونون تقريباً من نسيج واحد يصعب اختراقه من أية قوة محلية تحمل أجندات خاصة أو قوة خارجية تختصر الوجود العالمي في صيغة تاريخية معينة! المصري، تاريخياً، قد ينفعل ويتفاعل مع التدخلات الرأسية المتمثلة في قوى نظامية أممية، كالدخول الإسلامي الأول لها، أو الاحتلال الإنكليزي، لكنه يظل عصياً على أية محاولات أفقية تهدف إلى تصنيفه إلى أطياف معينة، ومن ثم الانفعال والتفاعل مع ما يتطلبه هذا التصنيف الجديد، حتى وإن كانت هذه المحاولات لأهداف مشروعة!

لو لم يكن الشعب المصري مكوناً من نسيج واحد (الذي هو: المصراوية) لما نجحت الثورة، ولوجد الرئيس السابق حسني مبارك ألف مدخل ومدخل للقضاء عليها.

في سورية، لم يكن الأمر كذلك، فتعددية الطوائف في سورية ساهمت في أن يظل بشار الأسد صامداً كل هذه الفترة، وساعدته في أن يرسم السيناريوات التي تتناسب مع طبيعة التعقيد على الأرض المعتمدة على الاستقطابات الأيديولوجية التي تتغذى على العداءات التاريخية!

نجح بشار في أن يجعلها حرباً طائفية، وتمكّن من توريط القوى الأفقية المحيطة بسورية (بعلم بعضها وبغير علم البعض الآخر)، ما خلق له مبرر وجود وسبباً قوياً للبقاء!

جاء المجاهدون من كل مكان، وحولوا سورية إلى ملعب من التصفيات، والانتماءات، والتوجهات المتضادة! وبقي الأسد وفريقه كتوجه وانتماء مسيطراً يوجه اللعبة بما يسمح به الوقت والظرف.

جاءت القوى الأفقية (المتورطة بغير علمها) إلى سورية لتساهم في إسقاط الرئيس (النصيري!) وتنقذ (أهل السنة!) من المجازر اليومية التي يتعرضون لها بدوافع طائفية، وسيعودون بعد ذلك إلى بلاد (المسلمين!) التي جاؤوا منها. انتصروا لقضية تاريخية (عادلة أو غير عادلة، لا يهم، هذا كلامي)، وسيعودون إلى بلادهم في حال تمكن رجل من أهل السنّة من حكم البلد بعد النظام النصيري البعثي (طاغية كان أو غير طاغية، لا يهم، هذه رؤيتهم)!

أما الجماعات (المتورطة بعلمها) فقد وجدتها فرصة سانحة للتمدد على أرض حقيقية، وهي التي حوصرت كل السنوات الماضية في أراض افتراضية في العراق واليمن وباكستان وأفغانستان وصحراء الجنوب المغربي. لم تمثل الثورة لهذه الجماعات حالة إنسانية طارئة يمكن التعامل معها من منطلقات إنسانية أو حتى عقدية (كالقوى المتورطة بغير علمها)، وإنما مثلت لها فرصة سانحة وباباً براغماتياً لخدمة أهدافها الخاصة ومنطلقاتها الاستراتيجية، وربما تكون حريصة على وجود نظام الرئيس بشار الأسد بصيغة أو أخرى، كي تضمن سلامة وجودها وتواصل عملياتها، تحت مظلة الفوضى وعدم الاستقرار!

غياب مصطلح (السوارنة) المقابل للمصراوية هو ما جاء بالأقلمة غير الحميدة، وهو الذي سيعيد الثورة السورية في حال اختراعه إلى مسارها الصحيح وتشديد الحصار على كل القوى الأفقية الإقليمية وطردها، وإجبار القوى الرأسية على إعادة حساباتها من جديد تجاه ما يحصل، والتدخل في شكل ضاغط للتعجيل بإنجاح ثورة الشوام، سنيّهم وشيعيّهم، مسلمهم ومسيحيّهم، مؤمنهم وغير المؤمن!

ولعل في تصريح رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا قبل أيام في الأردن عن البدء في تشكيل نواة لجيش سوري وطني في شمال سورية وجنوبها كمرحلة أولى، لعل في ذلك تأسيساً جديداً لمفهوم «السوارنة» الذي سيأخذ بيد بلاد الشام نحو إسقاط الأسد من أجل الحرية والمساواة والعدالة والعيش الكريم فقط، وليس من أجل أية قضية أخرى، أيديولوجية كانت أو سياسية!

«السوارنة» الجدد ستكون كلمتهم هي العليا، بصرف النظر عن انتماءاتهم ومرجعياتهم، وسيقصون من المشهد كل متاجر بقضيتهم، بسوء نية كبشار الأسد نفسه، أو بحسن نية كالنائب الكويتي السابق الذي ذكر في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر» قبل أيام أنه محتاج إلى من يتبرع لشراء ٥٠ صاروخاً من نوع «غراد» بقيمة كلية تبلغ ٢٥٠ ألف دولار لدعم الفصيل الجهادي الذي يعبّر عنه في سورية!