تصريحات أهوائية وزيارات مكوكية وسيناريوهات مختلطة بين الأمني والسياسي تغيب معها آمال الشعب المنكوب في غزة وخارجها في حياة كريمة وحركة آمنة عبر الحدود فلا يعقل أن يغلب الأمني والسياسي بالمطلق على الضميري وحق الانسان في الحركة وما هو معروف من تسامي السياسة الخارجية واعتبارات حماية الجماعات أثناء الخلافات بين الدول والشعوب والحكام وفي حالات الكوارث الطبيعية والصناعية والحروب.
وغياب أو تغييب الاعتبارات والحقوق لسنوات عن حركة ملاين من الناس المقيمين في قطاع غزة وامتدادات ذويهم خارج القطاع وفي المهجر هو عقاب جماعي لأبرياء لا تربطهم بالخلافات السياسية والأمنية أي روابط سوى قدرهم أنهم يقيمون على قطعة جغرافية تتعرض لحروب عدة وخلافات مستمرة بين سيادات الدول والحاكمين والمسيطرين عليها فغزة ليست المسافرين منها فقط كما يتخيل السياسيون بل هناك ما يقرب من عدد سكانها أيضا يقيمون خارجها منذ نكبة العام 1948 وهم في أمس الحاجة دائما لزيارة عائلاتهم ومنازلهم وأملاكهم ومسقط رأسهم في قطاع غزة وهم مجبرون بفعل الواقع الأليم الذي امتد منذ العام 1967 إبان احتلال اسرائيل لقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وحتى الآن على أن يعيشوا في حالة شوق وانتظار وتشرد وعوز ومعاناة لمن هم خارجها ومن هم داخلها وما يترتب عن ذلك من مشاكل حياتية لا يجوز أن تمتد لما يقارب السبعة عقود التي تفوق متوسط عمر الانسان في هذه البقعة السوداء من الأرض.
هذا بشكل عام يكشف الحالة والصورة التاريخية لمعاناة الانسان الذي عاش ويعيش في غزة أو ينحدر منها إضافة لصورة الظلم الدائم للغزاويين في الدول العربية والعالم بأسره حتى تفاجئنا الأيام بامتداد هذا الظلم في الضفة الغربية أيضا وكأنها لعنة تتواصل لتضرب كل غزاوي يقيم على أرضها أو خارجها أو ينتمي لها.
كل السيناريوهات الآنية لفتح معبر رفح غير قابلة للتنفيذ مادامت هنا في غزة قوة مهيمنة على الأوضاع هي حماس مختلف عليها ومعها من الأطراف ذات العلاقة سواء السلطة المركزية في رام الله أو شعب غزة أو دول الجوار ولكي تصبح الصورة أكثر وضوحا فطوال ثماني سنوات من الحصار والحروب لم يستطع المناوئون وشعب غزة من إزاحة حماس عن السيطرة بقوة على الناس والأرض في غزة وباعتقادي ثماني سنوات تكفي لبيان الفشل في ذلك رغم المعاناة الخطيرة التي عاناها السكان من وراء تلك الخلافات السياسية والأمنية والفكرية وهنا لابد من تفكير جديد للتعامل مع الحالة الغزاوية وإلا يصبح المشهد عبثيا وغير مفهوما ولا يهتم بالعنصر الأساسي على هذه البقعة الجغرافية المنكوبة بالخلافات ويكبر المشهد بأن الانسان هنا أصبح رهينة لحماس وتجارة سياسية للسلطة المركزية في رام الله يجبر مصر صاحبة السيادة على معبر رفح في الجانب الآخر على التعامل مع جهة رسمية واحدة على المعبر وهذا سليم من الناحية السياسية مضافا ليه الجوانب الاعتبارية للحالة المصرية الأمنية في منطقة سيناء التي تشهد عمليات ارهابية تمس بالأمن القومي المصري.
ولكن هنا نجد أن الجميع ينظر للحالة الغزاوية بأن مكوناتها ثلاثة أطراف هي جمهورية مصر العربية وسلطة حماس في غزة والسلطة المركزية في رام الله وهذا من الناحية السياسية والأمنية صحيح ولكن من الناحية الحقوقية والإنسانية هناك طرف رابع في الحالة أو الأزمة وهو شعب أو سكان غزة وهو الطرف الأهم والمفترض هو لب المشكلة ولكنه مهمل وغير مشارك في المعادلة وهو الضحية ولا أحد يأخذ رأيه وكأنه قطيع من الأغنام يهشه الجميع ولا يلتفتون لمعاناته وهو غير قادر على الفعل الذي تتصور وتتمنى بعض الأطراف المشتبكة غير القادرة على الحسم أن يقوم به بديلا عنها للثورة على حماس وهذا عنوان غير قابل للتنفيذ وعليه تصبح المواقف عقيمة وعبارة عن هروب من المسئوليات تجاه شعب عانى ويعاني الكثير من مثل هذه السياسات ولذلك لابد من البحث في خيارات أخرى للشعب يجب أن يكون رأي ودور فيها لحماية نفسه من المتاجرة السياسية والأمنية به.
ولأن الأطراف كلها تعرف بأن ما يوضع من سيناريوهات دون الاتفاق مع حماس أو التخلص منها بإنهاء سيطرتها على غزة ولذا يجب أن يكون الشعب هنا في غزة الآن هو سيد الموقف للخروج من أزمته ولديه الخيارات التالية:
1_ أن تتكون لجنة شعبية لبحث آلية لفتح معبر رفح بعيدا عن مهاترات السياسيين مثل ادارة الجانب الفلسطيني من المعبر من لجنة تفرز من الجامعة العربية وتكون عبارة عن قوة عربية هدفها وإمكانياتها فقط تتعلق بتأمين الحركة للمسافرين وإعداد قوائمهم بالتنسيق مع الجانب المصري وتحدد مدة عملها على أن يتم تجديدها في حالة استمرار الانقسام وغياب المصالحة بين فتح وحماس.
2_ أن ترشح اللجنة الشعبية أحد الفصائل غير فتح وحماس لإدارة الجانب الفلسطيني من المعبر مثل الجبهة الشعبية أو حركة الجهاد أو كليهما وهما على علاقة طيبة بالجانب المصري.
3_ أن تعود الحالة السابقة لفتح المعبر المعمول بها منذ استيلاء حماس على السلطة في غزة ولكن بفتح معبر رفح مرتين شهريا لحل مشاكل أهل غزة ورفع المعاناة عنهم لحين انهاء الانقسام وتطبيق بنود المصالحة المتفق عليها سابقا بين فتح وحماس والفصائل الفلسطينية.
4_ والخيار هنا هو أن يختار أهل غزة بالاتفاق مع المصرين فريق من الفلسطينيين من غزة يقوم بالتنسيق للمعبر مع حماس ويشاركها في ادارة المعبر من الجانب الفلسطيني لحين انهاء الانقسام.
5_ أن تتفق حماس ومصر ودحلان بما له من علاقات طيبة مع المصريين ويمكنه التفاهم مع حماس على ادارة معبر رفح وضبط حركة المسافرين لإنهاء معاناة شعب غزة كله من مواطنين عاديين ومرضى وطلاب وإقامات وتأشيرات وسياحة وجوازات أجنبية ومواطنين مصريين بعيدا عن سلطة رام الله وليس تكريسا للانقسام بل انتظارا لإنهاء الانقسام.
6_ ترك معبر رفح نهائيا وقيام السلطة في رام الله بتأمين موافقات دخول كل المسافرين عبر نقطة بيت حانون مع الجانب الاسرائيلي والجانب الأردني كما هو حادث مع المواطنين في الضفة الغربية وتأمين السفر عبر نقطة بيت حانون هو ما نصت عليه اتفاقية أوسلو لحرية الحركة للفلسطينيين ولكن ليس بشكل انتقائي كما هو حادث الآن بين الشئون المدنية وإسرائيل.
كل ما طرحته هنا يتعلق فقط بالمعاناة الانسانية والاقتصادية لأهل غزة وليس ترتيبات سياسية لإحداث أمر واقع منطلقا من عدم امكانية تسهيل عبور الغزاويين لمعبر رفح دون التشاور والمشاركة الاجبارية مع حماس لأن أي سيناريوهات أخرى دون موافقة حماس تعني استمرار المعاناة لشعب غزة رضينا أم لم نرض وأنا من الرافضين لحكم حماس لغزة في كل الأوقات أصلا وما أكتبه ليس انحيازا أو تسويقا لأحد بل أرى الصورة واضحة من أرض الواقع وأهمية ما أكتبه نابع من معاناة الناس وإدراكا كاملا للمشكلة المزمنة وليس لديا تخوفات من تكريس واقع الانقسام ومن لديه البتع يبتع لننهي الانقسام بكل الطرق لمن استطاع ولن تحل مشكلة الانقسام ومشكلة المعبر إلا بالاعتراف والمشاركة من الجميع بحق كل الفلسطينيين في وطنهم وخارطتهم السياسية ونظامهم السياسي القابل للنهوض بالجميع بعيدا عن الفئوية البغيضة والمدمرة وكفى ما جرى ويجري من استهتار بالشعب والوطن.