خطوات عملية وضعتها القاهرة لمعالجة الاختلالات الداخلية الفلسطينية لأن الادارة الأميركية لن تبادر لعرض أي مبادرة سياسية بهدف إنهاء الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين المحتلة عام 1967 ، حتى إنتهاء ولاية أوباما الحالية نهاية عام 2016 ، ولأن الوزير جون كيري لم يعبر عن أي تعاطف مع معاناة الفلسطينيين المتزايدة بسبب الإحتلال التوسعي الإستعماري الإسرائيلي ، بل على العكس من ذلك أدان إنتفاضة الفلسطينيين الشبابية بواسطة الأدوات البدائية ضد قوات الإحتلال، ووصفها بالعمل الارهابي ، وإنحاز علناً لما اسماه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة “الارهاب” الفلسطيني، كما تفعل ذلك على حد وصفه ، ولأن المجتمع الدولي يضع في مقدمة أولوياته معالجة الارهاب العابر للحدود والتصدي له . أقول ، لهذه الاسباب ولأسباب اخرى عديدة، وضعت القيادة المصرية “ خريطة طريق فلسطينية “ ، بهدف المساهمة في إنتشال الوضع الفلسطيني من مأزقه السياسي ، والعمل على مساعدته وايقافه على رجليه موحداً ، وتقديم الاسناد له حتى يتجاوز أزماته الداخلية المتعددة ، حيث تشكل هذه العوامل أحد أهم أسباب إخفاق القيادة الفلسطينية في كل من سلطتي رام الله وغزة ، في تحقيق تطور إيجابي ملموس لصالح القضية والشعب الفلسطيني ، على الرغم من التضحيات المتواصلة التي يقدمها الفلسطينيون ، وعلى الرغم من السياسة الواقعية جداً التي ينهجها الرئيس محمود عباس ، إلا أن الوقائع تدلل على فشل القيادة الفلسطينية بوجهيها : الفتحاوي في الضفة والحمساوي في القطاع ، في وقف سياسة الاستيطان والتوسع الإسرائيلية ، وفوق ذلك فأن خيار المفاوضات وصل لطريق مسدود ، والإحتلال يزداد شراسة ، وتشبثاً بالأرض مما ترك أثاره المدمرة على مستقبل الشعب الفلسطيني ، وتمددت نتائجه لتتجاوز الحدود الفلسطينية ، لتصل إلى التأثير على الأمن الوطني المصري في إتجاهين : أولهما تعزيز التطرف السياسي الذي تقوده حركة الإخوان المسلمين ، وثانيهما إنتشار خيار الارهاب الذي تواجهه مصر من قبل تنظيمي داعش والقاعدة . ولذلك ووفق هذه الرؤية المصرية التي إطلعت عليها “ الدستور “ من مصادرها ، بادرت القاهرة وإقترحت خريطة طريق فلسطينية ذات طابع دفاعي مبادر ، وهجومي متعدد الخطوات ، يهدف إلى لملمة الوضع الفلسطيني المشتت ، وإعادة إنتاج المؤسسة الفلسطينية ، كي تستعيد عافيتها ومصداقيتها أمام شعبها أولاً ، وأمام المجتمع الدولي ثانياً ، ومنها وخلالها تستطيع أن تجعل من مشروع الإحتلال مشروعاً مكلفاً وقابلا للتراجع على طريق الهزيمة، لكونه متعارضاً مع قيم المجتمع الدولي ومفتقدا لمضامين العدالة التي يملكها المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني . الهدف المصري الذي تم وضعه بشكل مشترك بين مكتب الرئيس والمخابرات العامة ، وتم تحديده بإعطاء الأولوية لأربعة نقاط إرتكازية هي : أولاً : إعادة تماسك حركة فتح وتوحيد صفوفها . وثانياً : بناء قاعدة من التوافق والتفاهم والائتلاف السياسي بين حركتي فتح وحماس مع باقي المكونات الفلسطينية وفق الاتفاقات الموقعة بين الأطراف . وثالثاً : إعادة بناء منظمة تحرير فلسطينية موحدة إئتلافية موسعة . رابعاً : إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعكس حالة التوافق والتفاهم والقواسم المشتركة الفلسطينية ، وتضم كافة المكونات الفلسطينية بدون اي إستثناء . خريطة الطريق الفلسطينية المصرية المتدحرجة بدأت بزيارة رسمية قبل نهاية شهر تشرين أول أكتوبر الماضي من قبل اللواء وائل الصفطي مساعد مدير المخابرات المصرية مسؤول الملف الفلسطيني ، مبعوثاً من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى رام الله حاملاً رسالة تفصيلية حول مضمون وخطوات “ خريطة الطريق “ المنهجية والمعدة من قبل القيادة المصرية ، قدمها للرئيس محمود عباس ، مترافقة مع دعوته لزيارة القاهرة حتى يكون عارفاً بالدوافع المصرية ، وحتى يحضر إلى القاهرة حاملاً معه الرد المناسب على الرسالة والمبادرة الرئاسية المصرية . في شرحه للرئيس الفلسطيني حول خطوات ومضمون المبادرة المصرية ، حدد المبعوث الرئاسي المصري ثلاث خطوات تقترحها القاهرة تتطلب الانجاز ، تبدأ بالمصالحة الفتحاوية مع النائب محمد دحلان وعودته لمواقعه داخل حركة فتح وفق نتائج المؤتمر السادس ، وإذا كان ثمة ملاحظات مسجلة عليه تترك للمؤتمر الحركي السابع وهو الأقدر على معالجتها كونها تمت بين المؤتمرين ، والثانية مع حركة حماس . وأشار المبعوث الرئاسي الى أنه رغم تورط حركة حماس بعمليات أو إجراءات أو سياسات مست الأمن المصري ، إلا ان الضرورة تستوجب تجاوز الملاحظات المصرية ، لأن إعادة تماسك الوضع الفلسطيني وإنتاجه لا يتم بدون حركة حماس ، وعليه سيقفز المصريون عن إحساسهم بالوجع بسبب سياسات حركة حماس وإعلامها المسخر للمساس بالأمن الوطني المصري ، كونهم جزءاً وإمتداداً لحركة الإخوان المسلمين المعادية لنظام الرئيس السيسي ، ومع ذلك فان الضرورة تستوجب إزالة أثار الانقسام وإستعادة الوحدة الفلسطينية ، أما الخطوة الثالثة فهي إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وحدوية جبهوية تضم الكل الفلسطيني ، وكذلك تعزيز سلطتها الوطنية ، بما في ذلك إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات مصداقية تعتمد على جملة ما تم الاتفاق عليه والتوصل له من خطوات . رد الرئيس الفلسطيني على مبعوث الرئيس السيسي اللواء وائل الصفطي ، “ أننا لا نستطيع معارضة مصر ونحترم دورها ونقدر مبادرتها وما يطلبه الرئيس السيسي سنقدمه من العين ده إلى العين ده “ ، وكان ذلك بمثابة رد إيجابي وموافقة مباشرة من قبل الرئيس محمود عباس على المبادرة المصرية ، ولكنه أرفق ذلك بوجوب “ إحترام المؤسسات الفتحاوية التي إتخذت قراراً بفصل النائب دحلان من قبل ثلثي أعضاء اللجنة المركزية ، مما يستوجب إعادة النظر بالإقرار من قبل اللجنة المركزية ومؤسسات الحركة “ . المبعوث الرئاسي المصري عاد إلى القاهرة حاملاً الموافقة والترحيب الرئاسي الفلسطيني، وقدم تقريره ملخصاً بما جرى ووصف “ نتيجته أنها أفضل مما كان متوقعاً “ فوقع الجواب الفلسطيني وقعاً حسناً وساد التفاؤل بين مكونات مطبخ صنع القرار المصري، فوجهوا دعوتهم لكل من الرئيس محمود عباس وللنائب محمد دحلان بهدف إتمام الخطوة الأولى ، وهكذا زار أبو مازن القاهرة وإلتقى مع الرئيس السيسي يوم السبت 8/11/2015 ، وكذلك مع النائب دحلان كل على حده ، وترك لمدير المخابرات الوزير خالد فوزي ترتيب الإجراءات بعد أن سمع من الرجلين الترحيب بالمبادرة المصرية وبخطواتها المتتالية ، وطلب الرئيس الفلسطيني مهلة حتى نهاية شهر تشرين الثاني لأتمام الإجراءات المعدة للقاء بين الرئيس محمود عباس والنائب محمد دحلان ، الذي بادر عبر شاشة تلفزيون الغد العربي يوم 15/11/2015 بقوله : “ حركة فتح بيتي ، وما بيننا وبين حماس كان بحراً من الدماء ، ولكن لن نعيش الى الابد في الماضي ، ولا بد من مصالحة حقيقية بين الكل ، لأن فلسطين أكبر من الجميع ، والكل الوطني اسرة واحدة ، وهذه المسئولية بيد ابو مازن ويستطيع أمر فتح ولكنه لا يستطيع حسم امر الوحدة الوطنية مع حماس ولذلك عليها أن تكون عامل إنجاح لهذه الوحدة ، بظل أنه لا أمل لنا مع وجود نتنياهو ، وما يدفعني الى روح التصالح والتسامح هي روح ياسر عرفات ، وعلينا أن نتخطى الماضي الصعب وبناء المستقبل من أجل الاجيال وزرع الأمل “ . ولكن رد حركة فتح جاء عبر تصريح أحمد عساف الناطق بلسان الحركة بنفيه صحة أخبار المصالحة مع الدحلان كما بثته وكالة أنباء وفا الفلسطينية يوم 15/11/2015 جاء نصه : “ نفى المتحدث باسم حركة فتح أحمد عساف ما تداولته وسائل الإعلام من أخبارٍ حول ( المصالحة مع النائب محمد دحلان ) ، مؤكداً أن الهدف من بث هذه الإشاعات هو تضليلِ الرأي العام الفلسطيني والإيحاء أن دحلان ما زال قادراً على لعب دور في الحاضر والمستقبل “ كما صدر بيان عن اللجنة المركزية لحركة فتح بثته وكالة وفا يوم الثلاثاء 17/11/2015 جاء فيه : “ أن ما يشاع بين فترة وأخرى عما يسمى بمصالحات يرد فيها اسم محمد دحلان طرفاً ، ليست أكثر من مجرد أوهام الهدف منها البلبلة والإثارة ، وإشغال الحركة والرأي العام في قضايا هامشية حسمت وانتهت ، وكذلك لحرف البوصلة الوطنية عن غايتها وهدفها في هذه المرحلة الوطنية الحرجة“. القيادة المصرية فوجئت بمثل هذه التصريحات ، وبعثت برسالتين من القاهرة إلى أبو مازن ، الأولى مع روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي السابق ، والثانية مع مستشار الرئيس قاضي قضاة فلسطين محمود الهباش ، تعبران عن عدم الارتياح المصري من ردود الفعل الفتحاوية غير المناسبة إزاء المبادرة المصرية التي باتت أمام خيار صعب ، فهل تتراجع عن الدعوة لها أم تواصل الضغط وتهيأة المناخ والأدوات لنجاحها هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة ؟؟ .