لا شك بان اسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية الأسبوع الماضي، لاختراقها المجال الجوي التركي، قد اربك حسابات روسيا ووضعها في موقف حرج لجهة الكيفية التي سترد او ستتعامل بها مع هذه الضربة الموجعة، التي تلقتها من دولة عضو في حلف الناتو، دون اثارة غضب دول الحلف والدخول معها في مواجهة محفوفة بالمخاطر في ظل معارضتها لمواقف روسيا من الملف السوري، وانزعاجها من المنظومة العسكرية التي تستخدمها في الساحة السورية. في الوقت الذي تشكل فيه هذه الحادثة اختبارا حقيقيا لروسيا لاثبات حضورها وتأثيرها في إعادة ترتيب التوازنات وتعزيز نفوذها ودورها في الساحة الدولية. ما يعني ان الرد الروسي سينطوي على حسابات تتصل بعضوية تركيا بحلف الناتو، الذي يرى ان من حق تركيا الدفاع عن نفسها وسيادتها. ما يبقي الخيارات الروسية في حدود معينة، كالمطالبة بالاعتذار او التعويض او اعتماد الخيارات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، كأن تعمد الى اتخاذ إجراءات اقتصادية وتجارية ضد تركيا، تتمثل في عدم امدادها بالغاز الطبيعي، ورفضها مد أنبوب الغاز الروسي ( السيل التركي ) اليها حيث تعتبر تركيا شريكا أساسيا لروسيا في مجال امدادات الغاز الطبيعي، وربما تحرمها من تحقيق طموحاتها بان تتحول الى مركز إقليمي لتوزيع ونقل الطاقة الى الأسواق الاوروبية، او ان تعمد روسيا الى إيقاف او تجميد بناء المحطة النووية الأولى في تركيا، لتوليد الكهرباء من اجل مواجهة النمو المتسارع في القطاعات الاقتصادية والصناعية فيها. إضافة الى حث رعاياها بعدم التوجه الى تركيا التي يزورها سنويا اكثر من 4 ملايين سائح روسي. دون ان نغفل الأعباء التي قد تترتب على روسيا اذا ما قامت باتخاذ مثل هذه الإجراءات لانها ستخسر ثاني اكبر شريك تجاري لها في الوقت الذي تعاني فيه من عقوبات اقتصادية من أمريكا والدول الاوروبية على خلفية ممارساتها في جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.
ومن الخيارات الأخرى، فقد تلجأ روسيا الى استفزاز تركيا ومناكفتها من خلال تكثيف حملاتها الجوية على مواقع مسلحي قوى المعارضة السورية المحسوبة على تركيا، او على المنطقة العازلة التي تفكر تركيا باقامتها على طول حدودها مع سوريا. وهناك من يرى بان اسقاط الطائرة الروسية له علاقة مباشرة بتكريس منطقة نفوذ تركية تقطنها اقلية تركمانية في شمال غربي سوريا، لارتباطها بامنها القومي، وبنفس الوقت ارسال رسالة الى روسيا بعدم الاقتراب من مجال الحظر الجوي الذي تفكر تركيا بفرضه فوق المنطقة العازلة. وما يثير المخاوف هنا ان يؤدي اعلان روسيا نيتها نشر منظومة صواريخ مضادة للطائرات الى اغلاق المجال الجوي السوري امام الطيران التركي لافشال فكرة المنطقة العازلة، بطريقة ستؤثر سلبا في دور تركيا في محاربة التنظيمات الإرهابية في اطار جهود التحالف الدولي، ويضع روسيا في مواجهة مع حلف الناتو ودول التحالف، التي ترى في نشر هذه المنظومة تهديدا حقيقيا لعملياتها الجوية في سوريا. ما قد يؤدي ربما الى بعث أجواء الحرب الباردة من جديد، وما يترتب على ذلك من سباق تسلح قد يستنزف الاقتصاد الروسي، كما استنزف اقتصاد الاتحاد السوفيتي وادى الى انهياره.
وقد تلجأ روسيا الى استخدام الملف الكردي كورقة ضغط على تركيا من خلال اثارة مشاعر الانفصال لدى الاكراد والأحزاب الكردية وحركات الانفصال ودعم مطالبها بالاستقلال والحصول على حكم ذاتي، ودعم حزب العمال الكردستاني في توجيه ضربات عسكرية في العمق التركي.
مع التأكيد هنا بان حادث اسقاط الطائرة ستكون له نتائج سلبية على الجهود الدولية الرامية الى بناء تحالف دولي لمواجهة التنظيمات الإرهابية خاصة بعد التفجيرات التي شهدتها باريس مؤخرا، إضافة الى انه سيخلق صعوبات في طريق المفاوضات الساعية الى إيجاد حلول سياسية للازمة السورية.