المفترض أنها بُشرى مفرحة للأردنيين كلهم, بعد طول انتظار وبعد أن ملَّوا سماع مزايدات المزايدين الذين لا يظهرون إلَّا في خوض المعارك «الرخيصة», أن يسمعوا أنه تم طَرْحُ عطاءات المرحلة الأولى من مشروع: «البحر الأحمر – البحر الميت» الذي ستثبت الأيام المقبلة أنه أهم مشاريع المملكة الأردنية الهاشمية الإستراتيجية منذ قيامها في هذه الأرض المقدسة منذ نحو قرن من السنوات وحتى الآن .
نحن نعرف كم واجه هذا المشروع الحيوي والاستراتيجي, مشروع أجيالنا القادمة منذ الآن وإلى ألف عام.. إلى أن يرث الله الأرض وما عليها, من صعوبات وعقبات وكم واجه من تشكيك ومزايدات وأكاذيب لكن هاهي الإرادة الوطنية الصلبة تتغلب على كل الصعوبات والعقبات وتتغلب على مشكلة «التمويل», التي هي أم المشاكل, وتبدأ الخطوة الأولى وفي هذه الظروف المعقدة ليتحول حلم الأردنيين إلى حقيقة وليكون هذا الانجاز التاريخي شاهداً على أن هذا الشعب قد حفر الصوان بأظافره وحقق ما هو بحجم شق قناة السويس وهذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أبناءنا وأحفادنا قد يصحون ذات يوم وإذْ لا وجود لهذا الأثر التاريخي الذي ذكرته كل كتب الأديان السماوية .
لقد بدأ البحر الميت, هذا الأثر التاريخي العظيم وهذا الوعد الاقتصادي الهائل وهذا العامل البيئي الذي نعيش معه على مدار الساعة, يتمزق ويختفي أمام عيوننا وهنا فإن البعض لا يدرك ما قد يترتب على اختفائه من انهيارات ومن متغيِّرات «طبوغرافية» قد تُحوِّل بعض مدننا القريبة وفي مقدمتها عمان إلى أكوام من الحجارة والأتربة لا سمح الله ولا قدَّر .
كان بعض الصحافيين من الشقيقة العزيزة مصر, أرض الكنانة, قد اعترضوا مبكراً على «فكرة» ربط البحر الميت بالبحر الأحمر وأثاروا حول هذه الفكرة الكثير من المحاذير الموهومة التي من بينها أنَّ مثل هذا المشروع سيؤثر على قناة السويس وأنه سينافسها كمعبرٍ بحْريٍّ يجري بين الغرب والشرق وبين منابع النفط وأوروبا وأنَّ إسرائيل ستستخدمه لحركة بوارجها الحربية تجاه البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي !!
وأذْكر الآن وقد بدأت المرحلة الأولى من مشروعنا هذا.. الاستراتيجي والتاريخي والعظيم أنني ذهبت إلى صحيفة الأهرام والتقيت رئيس تحريرها السابق الأستاذ إبراهيم نافع وشرحت أمامه لبعض «الزملاء» من صحافيي هذه الجريدة الغراء كيف أن معلوماتهم غير دقيقة وأنَّ هذا المشروع لا تأثير له وعلى الإطلاق على قناة السويس إذْ أن الجزء الجنوبي منه سيكون عبارة عن أنابيب لا يمكن أن تمر بها أي سفنٍ إلا إذا كانت بحجم ألعاب الأطفال.. وأنه, أي هذا المشروع, سيكون أساساً من أجل إنقاذ البحر الميت الذي أصبح تلاشيه مرعباً للأردنيين ولأجيالهم المقبلة ومن أجل الحصول على بعض ما يحتاجه الأردن من الطاقة الكهربائية .
وحقيقة وخلال السنوات الماضية كلها, التي كان فيها هذا المشروع مجرد أحلام وردية ومجرد فكرة جميلة تبدو بعيدة المنال, أنَّ الأقسى والأصعب علينا كانت حملات التشكيك وحملات المزايدات التي أفتعلها الذين نعرفهم تمام المعرفة ونعرف ارتباطاتهم ونعرف أن «أعشاشهم» وأرزاقهم في هذا البلد.. لكنهم لا يتمنون له الخير.. بل ويتمنون أن يغرق حتى شوشة رأسه ولكن بعد أن يخرجوا منه.. الآن أصبح الحلم حقيقة وها هي قافلة الخير تبدأ الخطوة الأولى من مسيرة قد تكون طويلة وهكذا فإنه على «المزايدين» أن يواصلوا نعيقاً كنعيق غربان الشؤم.. ولهؤلاء نقول ونحن نعرفهم تمام المعرفة: «موتوا بغيظكم فالقافلة عندما تنطلق لا يؤثر عليها نباح الكلاب.. نعم نباح الكلاب !!