أخر الأخبار
هل سيكون موسم الخريف في تركيا ساخنا؟
هل سيكون موسم الخريف في تركيا ساخنا؟

آيلين كوجامان

دائما ما كانت الانقلابات في تركيا صعبة. كانت حرفيا علامة على البدائية بالنسبة لتركيا وقتما كانت تكافح من أجل النمو. وعلى غرار كل الانقلابات، باغتت تركيا من الخلف. تمت إضافة الدبابات إلى السياسة، وتوجيه المدافع صوب الديمقراطية.

تلك هي النظرة التي طالما نظر بها الأتراك للانقلابات؛ لأن تاريخنا يضم أربعة انقلابات مشؤومة ومرعبة تذكر بالموت. وفيها جرى إعدام رؤساء وزارة ووزراء شنقا.

دائما ما ابتلت الانقلابات تركيا بالظلام والكوارث. دائما ما كان يلقى فيها اللوم على طرف واحد ويجري ترويعه، ويتجلى فيها استعراض أحادي الجانب للقوة.

القصة التي سأرويها الآن ترتبط ارتباطا مباشرا بتاريخ تركيا مع الانقلابات:

العثور على قنابل يدوية في مبنى متهدم في إسطنبول بعد أن أدت مكالمة هاتفية تحذيرية في عام 2007 إلى بدء مرحلة جديدة في تركيا. وخلال التحقيق الذي تلا البيانات التي أدلى بها ملاك الأكواخ تم احتجاز شخصيات من عالم الأعمال والسياسة والرياضة ووسائل الإعلام، جنبا إلى جنب مع جنود وضباط شرطة ورجال أعمال وأعضاء بنقابات عمالية. كانت هذه هي الإجراءات القانونية في قضية «إرغينيكون»، الناتجة عن مزج عدد من القضايا معا.

عقدت 650 جلسة استماع في قضية «إرغينيكون»، التي ضمت متهمين عددهم 275 متهما. شهد الأسبوع الماضي نهاية الجلسات. جرى الحكم على ثمانية عشر من المتهمين بالسجن مدى الحياة بتهم تشكيل شبكة إجرامية. كان من بينهم إيلكر باشبوغ، الرئيس السادس والعشرون للأركان العامة بالجيش التركي، ثاني أهم قوة عسكرية في حلف الناتو.

تقوض الأحكام التي صدرت عملية بعينها العمليات التي ما زال يتعين على محكمة الاستئناف العليا والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تخوضاها. ربما تؤثر الأحكام الناتجة عن هذه الإجراءات على النتيجة، وآمل أنه في حالة ما إذا عانى أي شخص من ظلم فسوف يتجلى ذلك أيضا. لذلك، من الصعب قول أي شيء حول من صدرت أحكام ضدهم. على المستوى الشخصي، لا تمثل عقوبات السجن شيئا وافقت عليه في أي وقت، لكن تركيا دولة قانون. إن احترام حكم القانون هو الحاجة الماسة للدولة.

إذن، ما سبب أهمية هذه القضية؟ كشفت القضية عن تنظيم مسلح كان يرغب في إسقاط الدولة، ولا سيما باستخدام وحدات عسكرية وأمنية، وكشف عن خططه للقيام بانقلاب. كان هذا تنظيما إرهابيا مسؤولا أيضا عن هجمات إرهابية مثل تلك التي تم شنها على مجلس الدولة وصحيفة «جمهوريت» وأيضا الكثير من حوادث القتل التي لم يجر البت فيها.

إن كثيرا من الكتاب في الكثير من الدول، ممن كانوا يعلقون على الموضوع، لا يدركون الطبيعة الخطيرة للموقف. وبعض الكتاب الأجانب ممن ينزعون لانتقاد حكومة إسلامية تقية - ويعتبرون كل شيء يحدث في تركيا فرصة لانتقاد تلك الحكومة - يحاولون تصوير الأحكام الصادرة في قضية شبكة «إرغينيكون» بوصفها «انتقاما من قبل الحكومة من مظاهرات حديقة جيزي».

من السهل إدراك أن هؤلاء الذين يدلون بتلك المزاعم لا يعرفون شيئا عن التاريخ السياسي التركي أو التحقيق في قضية «إرغينيكون».

إذن، دعونا نمنح هؤلاء الناس بعض المعلومات:

على وجه التحديد، كانت القضية التي بدأت في عام 2007 خاضعة لإشراف ومراقبة وحماية القضاء. ولذلك، فإن تفسير الأحكام في قضية شبكة «إرغينيكون» على أنها انتقام من الحكومة ضد المظاهرات التي اندلعت في تركيا في يونيو (حزيران) الماضي يخدع الجهل أو التحيز البغيض. ليست الحكومة هي التي أصدرت الأحكام، بل القضاء.

ثانيا، كرئيس وزراء في الحكومة التركية، حتى لو لم يحظ أردوغان بالقبول من قبل البعض، وكان من المتوقع أن يفعل المزيد باسم بناء الديمقراطية والتحديث، يتعين علي أن أشير إلى أن موقفه الجريء ضد تنظيم «إرغينيكون» الإرهابي قد أنقذ تركيا.. لماذا؟

من الصعب بالنسبة لهؤلاء غير الملمين بتاريخ تركيا مع الانقلابات في فترة ما بعد الحداثة تقدير ذلك النجاح. وصفت الخطوط العامة لعملية 28 فبراير (شباط) في مقالي السابق. وفي أعقاب انقلاب ما بعد الحداثة في 28 فبراير 1997، والذي لم تمنح فيه الحقوق الديمقراطية سوى للقطاع العلماني من المجتمع وألقيت فيه ضغوط شديدة على المتشددين، والذي سجل نهاية تركيا كبيدق للغرب، أصبح الجزء الأكبر من السلطة في تركيا بين يدي الجيش. في واقع الأمر، كانت تلك هي الحال قبل ذلك. ومع ذلك، فقد عزز الانقلاب موقف الجيش. كانت شبكة «إرغينيكون» أكثر قوة في الجيش مما كانت من قبل.

لطالما استشعرت الحكومات التركية هذا التهديد الكبير خلال الثلاثة والخمسين عاما الماضية، التي شهدت تتابعا للانقلابات. قد يكون التهديد الكبير هو السبب الرئيس الذي جعل تركيا تظل في حالة من الضعف الشديد. كان ذلك هو الضرر الذي ألحقته الانقلابات بتركيا. على مدى ثلاثة وخمسين عاما، دائما ما كانت الانقلابات على الهامش كتهديد محتمل، تهديد ألقى ضغوطا هائلة على كاهل الحكومات.

ربما كان الانقلاب المخطط له من قبل تنظيم «إرغينيكون» الإرهابي الأكثر فسادا على الإطلاق. شكل هذا التنظيم نظام ترويع بغيضا عبر التفجيرات وجرائم القتل التي لم يبت فيها ومخططات الاغتيالات وبث رسائل عبر الإنترنت.

لأول مرة، ترفض الحكومة الحالية في تركيا الخضوع لتلك المنظمة.

للمرة الأولى في تاريخ تركيا، يجري الكشف عن انقلاب قبل حدوثه، ووجود منظمة إرهابية تشكلت منذ إنشاء جمهورية تركيا وجرى الكشف عن زيادة تأثيرها داخلها.

كان هذا انتصارا باسم ديمقراطية حقيقية.