أخر الأخبار
تضامن فلسطين مع فرنسا
تضامن فلسطين مع فرنسا

 

لأن القضية الفلسطينية مرتبطة بشكل مباشر و جوهري بكل الأزمات التي تهز الشرق الأوسط لمدة طويلة ، ولان الصراع العربي الإسرائيلي يبقى المحرك الرئيسي لكثير من الصدمات الجيوسياسية في المستقبل ، ولأن المأساة الفلسطينية لا تزال وستبقى في قلب الذاكرة والضمير العربي الإسلامي، ولأنها تحفز كل الألم والمرارة في العالم الإسلامي ، ولأن الجرح الفلسطيني اذا لم يشفى سيبقى سببا لشعور العرب بالذل والانكسار ، ولأن للقدس رمزية وطنية وروحية غير قابلة للاختزال أو النسيان ... ،تستغل أجيال جديدة من المتعصبين والإرهابيين القضية الفلسطينية لإعطاء معنى للعدمية و ذريعة للهمجية ، وكان هدفهم الأخير باريس و سكانها الأبرياء !!
ليكن واضحا للجميع سواء كانوا المجرمين الذين ارتكبوا المذبحة ، أو الانتهازيين من جميع المشارب الذين يتوقعون جني أي فائدة سياسية منها ، أن هؤلاء الأفراد لا يدافعون عن القضية الفلسطينية بل هم ألد أعداءها . 
ليكن واضحا ، عندما تضرب الضلامية الأنوار، لا يتردد الفلسطيني في التعاطف و التضامن التام مع فرنسا التي دعمت دائما قضيتنا ونضالنا الطويل من أجل الاستقلال والحرية .

أقول هذا بكل قوة واقتناع خاصة وأنني سمعت بعض الأصوات الإسرائيلية و بعض أبواقهم في وسائل الإعلام الفرنسية تدعي ربط الإرهاب الذي ضرب بلاد حقوق الإنسان في 13 نوفمبر تشرين الثاني ، بما يجري في فلسطين وتسميه اسرائيل "بالإرهاب " وتعاني منه كما تدعي آخر دولة استعمارية وعنصرية في العالم !! ويقولون لكم الاسرائيلين : أرأيتم ماذا نعاني منذ سنوات ؟! أفهمتم الآن صرامتنا في مواجهة ومقاومة الإرهاب ؟! هذا ما يقولونه سرا وعلنا إلى الشعب الفرنسي الذي لم ينتهي بعد من دفن 130 قتيل من قتلاه !! 
بغض النظر عن الدجل التاريخي والمغالطة السياسية ،فمثل هذه المقاربة تدل على المفهوم الصهيوني للضمير وفلسفته للأخلاق . وأكثر من ذلك ، هي عنوان الانتهازية البشعة و غطرسة حكومة ناتنياهو المكيافيلية في إنشاء روابط سببية بين الهمجية التي تضرب للمرة الثانية العاصمة الفرنسية وبين ما يحدث في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل ، وهذا فعلا انحطاط اخلاقي ووقاحة سياسية ، لان هناك من جهة جحافل من الأصوليين تسعى لزرع الرعب في مجتمع مسالم و هدفها النهائي هو تدمير الحضارة الفرنسية وما تحمله من قيم عالمية ، ومن جهة أخرى شعب فلسطيني حرم منذ عام 1948 من حقه في الوجود وهو يناضل من أجل حريته واستقلاله باسم هذه القيم العالمية التي تجسدها فرنسا .

بعيدا عن أكاذيب السفسطائيين و الانتهازيين ، فالفلسطيني لا يحب الموت لأنه يعشق الحرية ويحب الحياة ، أما الذين ضربت أيديهم فرنسا في قلبها النابض بالثقافة والإنسانية والتسامح و الحرية فشعارهم الكراهية ، والموت ثقافتهم و التعصب "فضيلتهم " ، يدعون الدفاع عن الإسلام وعن القضية الفلسطينية ولكن في الواقع هم يوظفون الإسلام السياسي و القضية الفلسطينية الخالدة في زرع الكراهية في العقول الجاهلة وبث أيديولوجيتهم المتطرفة.

على عكس إرهاب داعش والقاعدة والنصرة الأعمى العدمي والذي يستقطب الشباب المهمش في الضواحي الفرنسية والبلجيكية والبريطانية وليس الشباب المقهور في رام الله أو غزة، فإن المقاومة الفلسطينية نبيلة أخلاقيا ،وشرعية سياسيا بكل المقاييس والمعايير ، سواء من حيث قرارات الأمم المتحدة التي تتجاهلها وتحتقرها إسرائيل منذ نصف قرن أو من حيث الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن الذي ينص على أنه "جميع الرجال يولدون ويبقون أحرارا ومتساوين في الحقوق" والذي يقر في مادته الثانية الحق للمظلوم في مقاومة الظلم ، وباسم هذا الحق الغير مشروط والكوني قاوم الشعب الفرنسي تحت قيادة الجنرال ديغول الاستعمار النازي حتى تحررت باريس ، وكان يسمى مولان، وكامو ... وهيسيل، وكل الذين قادوا الكفاح المسلح ضد النازية مقاومين وليسوا ارهابيين .

نضالنا ضد المستوطن الإسرائيلي ليس نصال ديني ضد اليهودية وإنما نضال سياسي ووجودي ضد الكيان الصهيوني واحتلاله لأراضينا ، كما أن الدولة التي نسعى لتأسيسها بل التي سوف نؤسسها لن تكون شمولية وطائفية كما هو مسعى داعش ، وإنما دولة علمانية جمهورية ديمقراطية وطنية متعددة الطوائف والأديان ، وسوف تظل كذلك على الرغم من محاولات الفتن الاسلاماوية التي يغذيها بعض الاستراتيجيين الإسرائيليين ، وسوف يكون هذا هو الحال طالما سكنت روح الزعيم الخالد ياسر عرفات الوعي الوطني الفلسطيني ، هذا الزعيم الذي كان يؤمن بشدة في تحقيق سلام عادل ودائم مع إسرائيل، ولكن هذا الأمل تبخر مع اغتيال اسحاق رابين على يد داعشي إسرائيلي.

وعلى النقيض من الانتهازية الإسرائيلية ، يقتضي الوضع وتقضي الساعة اليوم الخشوع والحزن والتأمل احتراما لضحايا ارهاب داعش ، وهذا لا يعني تغييب الوعي الجماعي وتجاهل بعض الخيارات السياسية والجيوسياسية التي أدت إلى هذه الكارثة ، فكما قلنا في فبراير الماضي أمام البرلمان الفرنسي ومؤخرا في بروكسل في ملتقى عالمي شارك فيه ممثلين عن منظمة حلف الأطلسي،أن ولادة داعش ليست بمعجزة من الله ولكن نتيجة لسياسة غبية وساخرة من الغرب ، لقد تكونت هذه "الدولة" الضلامية على أنقاض دولتين هما العراق وسوريا صاحبتا التاريخ والحضارة منذ الآلاف السنين . لقد تم تدمير العراق من قبل المحافظين الجدد وسوريا في أعقاب "الربيع العربي" ومن قبل أنصار الإسلام "المعتدل". وامتدت داعش إلى المغرب العربي حيث تهدد استقرار تونس والجزائر وتسيطر على أراض واسعة من التراب الليبي ، ولو لم تنتفض مصر شعبا ونخبة لكانت اليوم تحت جمر جماعة الإخوان المسلمين ، الخلية الأم للتيارات اللأصولية بما فيها داعش وأخواتها.

ان الدول الغربية التي تعاني من تفشي الارهاب هي نفسها التي احتضنت لسنوات عديدة رموز جماعة الإخوان وتركتها تزدهر في مدنها وعواصمها لتولد إسلام متطرف لا علاقة له إطلاقا بعقيدة الأغلبية الساحقة من المسلمين في أوروبا ، ومن تلك المدن والعواصم انطلق عشرات ومئات الارهابيين للجهاد في سوريا والعراق . 
لقد اصبحت هذه الظاهرة سواء الداخلية والخارجية تشكل تهديدا عالميا، مما يتطلب علاجا استراتيجيا ومتعدد الأطراف. ان الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومتان الفرنسية والبلجيكية هي على مستوى التحدي، ودعوة الرئيس هولاند لتشكيل ائتلاف واسع جنبا إلى جنب مع الجهود الروسية هو قرار حكيم وعملي ، ولكن القضاء على داعش لن ينجح اذا لم يكن هناك تدابير صارمة ضد الجهات التي تمول وتدعم لوجستيا " داعش " .