تأتي نتائج مؤتمر المعارضة السورية الذي استكمل أعماله في الرياض، متعاكسة مع اتجاه هبوب رياح التوافقات الدولية التي سبقت مؤتمر فيينا ورافقته وأعقبته ... ففي حين أعطى “مؤتمر فيينا” الأولوية لمحاربة الإرهاب و”داعش”، أولى “مؤتمر الرياض” اهتمامه بإسقاط الأسد ورموز وأركان حكمه، وهي عبارة جرى التراجع عن تداولها في السنة الأخيرة، خصوصاً على ألسنة المتحدثين الأمريكيين والأوروبيين. وبعد أن صار الحديث منذ فيينا، ينصب على أن “لا دور للأسد في مستقبل سوريا”، صار الحديث منصباً على أن “لا دور للأسد في المرحلة الانتقالية” في سوريا، وهي المرحلة التي تبدأ وفقاً للمؤتمرين، برحيل الأسد، بعد أن لاحت بوادر توافق دولي على أن يستمر الأسد في موقعه حتى نهاية هذه المرحلة. نحن إذن، أمام عودة صريحة لبيان “جنيف 1”، الذي انتهى بالعملية السياسية إلى جدار مسدود، واستوجب البحث عن “مخرج” آخر، تجلى على نحو خاص في بيان مؤتمر فيينا ... وإذا كان “جنيف 1” قد التأم بغياب إيران، أو بالأحرى تغييبها، فإن ما ميّز مؤتمر فيينا هو جلوس الوزير ظريف على مائدة المحادثات إلى جانب مختلف الأفرقاء والأطراق... اليوم، يرى مراقبون أن بيان المعارضة السورية، المدعوم بقوة من محور داعميها القطريين والسعوديين والأتراك، لن يقطع الطريق على مؤتمر “نيويورك 1” كما كان يأمل جون كيري فحسب، بل وسيفضي إلى مقاطعة كل من روسيا وإيران عن العملية السياسية المطلوبة لسوريا، في هذه المرحلة على أقل تقدير. حتى الآن، لم تتضح بعد، طبيعة النوايا الحقيقية الكامنة وراء تصعيد لهجة الخطاب السعودي – السوري المعارض، وما إذا كانت المواقف التي تضمنها البيان الختامي لمؤتمر المعارضة، والمؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السعودية، هي مواقف نهائية لهذه الأطراف وأنها قررت العمل على فرضها بالقوة العسكرية، كما لوّح بذلك الوزير عادل الجبير، أم أنها “مواقف تفاوضية”، تبدأ برفع سقف التوقعات والمطالبات، على أمل الحصول على الحد الأدنى منها؟ أياً يكن من أمر، فإن أولى نتائج مؤتمر المعارضة في الرياض، تمثلت في دفع مؤتمر نيويورك إلى غياهب المجهول، وربما حتى إشعار آخر، فضلاً عن تعطيل جولة الحوار المقررة مطلع الشهر المقبل، بين وفدي النظام المعارضة (المُشكل مسبقاً) ووفد المعارضة الذي أخفق “مؤتمر الرياض” في تشكيله، واستعاض عنه بتشكيل هيئة توجيهية تضم الفصائل المسلحة (بمن فيها أحرار الشام وجيش الإسلام)، فضلاً عن ممثلين عن القوى الرئيسة المشاركة ومعارضين مستقلين. وثمة من المراقبين من يتخوّف، من أن يكون الهدف من وراء تصعيد لهجة الخطاب والمطالب والإصرار على تمثيل حركة أحرار الشام وجيش الإسلام في مؤتمر الرياض، هو “حشر” النظام وحلفائه في زاوية ضيقة، ودفعهم لإعلان مقاطعة الاجتماعات والمؤتمرات المقبلة، بما يطيح بالعملية السياسية، ويحيلها إلى عملية استسلام كامل وغير مشروط، وهي وضعية، لا يبدو أن النظام وحلفائه، على استعداد للقبول بها، سيما بعد التدخل الروسي الكثيف، سياسياً وعسكرياً، في الأزمة السورية، وفي ضوء “المكتسبات” الميدانية التي حققها هذا التحالف على الأرض. في ضوء ذلك كله، من المتوقع أن تستمر حالة التردي في الأوضاع الأمنية والعسكرية، وعلى مختلف جبهات المواجهة المفتوحة في سوريا، بل ويُنتَظر أن تشهد جبهات القتال، تصعيداً شاملاً ودامياً، ومن غير المستبعد أن تتكثف عمليات تسليح وتمويل الفصيلين “الإشكاليين”: أحرار الشام وجيش الإسلام، بعد أن نجحت الدول الراعية للفصيلين، في إعادة تأهيلهما، ومنع إدارجهما على اللوائح السوداء للفصائل والمنظمات الإرهابية. وربما هذا ما يفسر اشتعال جبهات القتال على مقربة من المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا في الشمال الغربي لسوريا، وما يفسر “الأوامر” التي وجهها فلاديمير بوتين لقواته المسلحة، بالرد بقوة على كل ما يهدد أمن سوريا ومصالحها وسلامة قواتها على الأرض السورية ... وليس بعيداً عن ذلك، فإن ما تشهده العلاقات التركية – العراقية من تصعيد غير مسبوق، منذ سنوات وعقود طوال، أنما يرتبط أشد الارتباط، بما جرى في “مؤتمر الرياض” وعلى هوامش وتخوم الأزمة السورية. والأرجح أن يستمر التأرجح في مسار الحل السياسي للأزمة السورية، والتعثر في مسارات الحرب على داعش”، إلى أن تنطق الولايات المتحدة بكلمتها السحرية، وأن تدلي بموقفها من نتائج مؤتمر الرياض واشتراطاته وتركيبة اللجنة التوجيهيه، واستتباعاً وفد المعارضة المفاوض ... فإما أن نشهد عودة للتوافق الروسي – الأمريكي الذي جعل التئام ونجاح مؤتمر فيينا أمراً ممكناً، وإما أن يذهب المحاربون إلى خنادقهم استعداداً للمواجهات الأشد سخونة في قادمات الأيام.