لم يكن من باب الصدفة ان يعلن و من خلال الصحفية المعروفة آيله حسون التي انتقلت للعمل في القناة العاشرة عن التوصل الى اتفاق مبدئي بين اسرائيل و تركيا.
اتفاق ينص على اعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين بعد التوتر او القطيعة على اثر الاعتداء الاسرائيلي على سفينة مرمره و سقوط ضحايا اتراك.
الاتفاق ينص على تطبيع العلاقات بين تركيا و اسرائيل و عودة السفراء و دفع تعويضات لذوي الضحايا الاتراك و منع اي نشاط عسكري لحركة حماس ، و خاصة فيما يتعلق باتهامات اسرائيل لصالح العاروري، و اسقاط كافة الدعوات القضائية التركية ضد اسرائيل ، و كذلك البدء بمفاوضات حول مد خط غاز اسرائيلي عبر تركيا علاوة على تزويد تركيا بالغاز. تركيا ايضا تطالب بفك الحصار عن غزة كأحد الشروط لتطبيع العلاقات.
سبق هذا الاعلان الاسرائيلي عن التوصل الى تفاهمات و التي لم ترقى بعد الى مستوى اتفاق شامل تصريحات معتدلة نسبيا للرئيس التركي اردوغان حيث قال قبل اسبوع " تطبيع العلاقات مع اسرائيل امر جيد للشرق الاوسط، نحن ننتظر تعويضات لضحايا مرمرة و فك الحصار عن غزة".
لا شك ان هناك مصلحة للطرفين بالاسراع عن الاعلان عن تفاهمات على بعض القضايا قبل التوصل الى اتفاق نهائي. مصلحة نتنياهو هي حاجته لاستخدام هذا الامر في دفاعه عن الاتفاق الذي وقعه مؤخرا حول امتيازات شركات التنقيب عن حقول الغاز و الذي واجه انتقادات و مظاهرات و دعوات قضائية في محكمة العدل العليا الاسرائيلية .
نتنياهو يريد ان يوحي ان هناك مصلحة اسرائيلية عليا في الاسراع بالتوقيع على هذا الاتفاق و بالتالي اعلان الاتفاق مع تركيا الان يخدم مصالحه ، اضافة الى اعتبارات استراتيجية اخرى.
تركيا بحاجة اكثر الى الاعلان عن هذا الاتفاق رغم محاولة بعض المسؤولين الاتراك التقليل من شأن ذلك . تركيا بحاجة الى هذا الاتفاق للتلويح به في وجه روسيا بعد توتر العلاقات بين الطرفين على اسقاط الطائرة الحربية الروسية و التي على ضوئها تلوح روسيا بوقف تزويد الغاز لتركيا، سيما ان روسيا تغطي بين ٣٠٪ الى ٥٠٪ من احتياجات تركيا، وذلك بعد سلسلة العقوبات الاقتصادية الفورية التي اتخذتها روسيا بحق تركيا .
هذا الاسراع في الاعلان كان على الرغم من ادراكهم ان الطريق ما زالت طويلة للتوصل الى اتفاق شامل و عودة العلاقات بين الطرفين الى ما كانت علية قبل مهاجمة السفينة مرمره.
من الناحية الاقتصادية، حجم التبادل التجاري بين الطرفين يقدر بلميارات الدولارت. حتى العام ٢٠٠٨ وصل الى حوالي ثلاثة مليار دولار غير شامل للتبادل السياحي و العسكري.
الى ان تراجعت العلاقات وصل حجم الصادرات التركية الى اسرائيل ما يزيد عن مليار و نصف المليار دولار اضافة الى نصف مليون سائح اسرائيلي سنويا الى المنتجعات التركية ، هذا الى جانب ٢٥٠ شركة اسرائيلية تعمل في تركيا ، في حين وصل عدد الشركات التركية التي تعمل في اسرائيل الى ٥٨٠ شركة.
على الصعيد العسكري كان هناك العديد من الاتفاقات التي وصلت قيمتها الى مليارات الدولارات حيث تزود اسرائيل تركيا بطائرات بدون طيار و تعمل على تطوير الدبابات التركية و صيانة الطائرات التركية المقاتلة وتعمل على تحديثها و تزويدها بالتكنلوجيا التي تزيد من قدراتها القتالية، اضافة الى تزويد الجيش التركي بالاجهزة الاكترونية المتطورة من خلال الصناعات العسكرية الاسرائيلية. الطريق ما زالت طويلة من اجل التوصل الى اتفاق نهائي و تطبيع العلاقات بين الطرفين و كلاهما يحسب خطواته بميزان الذهب.
اسرائيل وخلال السنوات الماضية ابرمت اتفاقات مع كل من قبرص و اليونان سواء كان للتنقيب عن الغاز و تحديد الحدود البحرية و نقل الغاز الاسرائيلي عبر اراضيهم مما اثار حفيضة تركيا في ذلك الحين التي اعتبرت هذا اعتداء على حقوقها، لذلك لم يكن مصادفه ان يسارع رئيس الوزراء القبرصي بالاتصال مع نتنياهو لكي يستوضح عن صحة ما نشر من معلومات حول التفاهمات التركية الاسرائيلية.
ليس من السهل و ليس من مصلحة اسرائيل في نفس الوقت ان تلغي الاتفاقات بهذا الخصوص مع قبرص و اليونان لصالح تركيا، عدا عن ذلك ليس من الحكمة ان يضعوا نفسهم في بطن ( الحوت) اردوغان من خلال نقل الغاز الاسرائيلي عبر الاراضي التركية كما يطالب اردوغان. الامر الاخر هو ان اسرائيل لا تريد ان تحسن علاقاتها مع تركيا على حساب علاقاتها مع روسيا، او بكلمات اخرى لا تريد ان تستفز روسيا سيما ان العامل الرئيسي الذي جعل تركيا تخفيض سقف مطالبها و دفعها للاتفاق مع اسرائيل هو مشكلتها مع روسيا.
ليس من مصلحة اسرائيل استعداء روسيا ، خاصة في هذا الوقت الذي تفرض روسيا حضورها في المنطقة، و بالتحديد في الملف السوري . و الامر الثالث هو فيما يتعلق بالمطلب التركي برفع الحصار عن غزة، وخاصة الحصار البحري.
من الصعب الاعتقاد ان اسرائيل سترضخ للمطلب التركي في هذه المرحلة، سيما ان الاسرائيليين يدعون ان هذا المطلب لم يكن على الطاولة.
من الصعب الاعتقاد ايضا ان تركيا ستضحي بالاتفاق مع اسرائيل من اجل التمسك بمطلب فك الحصار عن غزة لان حاجة تركيا في هذه المرحلة اكبر بكثير من التمسك بهدا المطلب على اهميتة ، ليس فقط لغزة و اهلها ، بل لتركيا و صورتها التي تريد ان تظهر بها كمدافعه عن الفلسطينيين، على الرغم ان هناك من ينتقد حصر المطلب التركي برفع الحصار عن غزة دون الحديث عن الحالة الفلسطينية بشكل عام و خاصة القدس وما يجري في الضفة في هذه الايام.
لكن ليس من المستبعد ان يحاول كل طرف توفير سلم للطرف الاخر للنزول عن الشجرة العالية التي صعد عليها. ليس من المستبعد ان يتم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة على سبيل المثال لبحث كيفية تخفيف الحصار عن غزة، و السماح لشركات و مؤسسات تركية للعمل في غزة على نطاق اوسع مما هو موجود الان.
هناك مصالح مشتركة بين تركيا واسرائيل ليس فقط على صعيد التعاون الاقتصادي و العسكري و السياحي بين البلدين ، بل هناك تفاهمات ضمنية حتى قبل عودة العلاقات الى طبيعتها ، خاصة في كل ما يتعلق بالملفين السوري و الايراني. ايران تعتبر العدو الاكبر لاسرائيل و تصنف على انها تشكل تهديد وجودي عليها ، ويعتبر حزب الله ذراعها العسكري المرابط على الحدود الشمالية و التي اصبح يمتلك ترسانه كبيرة من الاسلحة الايرانية التي تغطي كل نقطة في اسرائيل. ايران بالنسبة لتركيا هي عدو و تشكل تهديد على مصالحها، وهناك مواجهة بين الطرفين تدور رحاها في اكثر من ساحه ، اهمها على الارضي السورية.
هناك تفاهم ضمني بين تركيا و اسرائيل على الكثير من التطورات التي حدثت و ما زالت على الحلبة السورية. مصلحة الطرفين ان تتفكك الدولة السورية ، ومصلحة الطرفين ، و ان كانت اهدافهم مختلفة، ان يتم تدمير الجيش السوري و تقسيم سوريا الى دويلات صغيرة. هذا يخدم المصلحة الاسرائيلية الاسترتيجية سواء كان من خلال التخلص من دولة كبيرة مثل سوريا و جيشها او من خلال ازالة خطر مطالبتها بالانسحاب من الجولان السوري المحتل.
اما تركيا فإن اطماعها في سوريا واضحة و سلوكها خلال السنوات الاخيرة من فتح حدودها لكل من يرغب في استنزاف الدولة السورية كانت و مازالت مفتوحه على مصراعيها.
الجنرال المتقاعد جيورا ايلاند الذي شغل منصب رئيس مجلس الامن القومي في اسرائيل كتب مقال قبل اسبوعين ما تضمنه قد يعطي تفسيرا للاهداف الاستراتيجية التركية.
يقول الجنرال ايلند: قبل عشر سنوات حين كانت العلاقات التركية الاسرائيلية في احسن حال جاء مسؤول تركي كبير في زيارة الى اسرائيل، و عندما التقيت به بحكم منصبي ، ذهلت عندما تحدث لي عن الطموحات التركية في سوريا و العراق حيث قال ان تركيا لن تقبل في السابق تقسيم الحدود بعد الحرب العالمية الاولى وانتهاء عهد الامبراطورية العثمانية، لقد اجحفوا بحق تركيا، لذلك عاجلا ام اجلا تركيا ستعيد رسم الحدود الجنوبية من الموصل في العراق حتى حمص في سوريا ، سيما ان هذا الشريط يقطنة غالبية من الاقلية التركمانية. الى هنا انتهى حديث الجنرال جيورا ايلند.
هذا كان قبل عشر سنوات ، السياسة التركية خلال السنوات الاخيرة و التي تستغل جيدا ما يحدث في سوريا و العراق تسير تماما في هذا الاتجاه، وهذا بالتأكيد لن يزعج اسرائيل اذا كانت هي ايضا ستظفر بالجولان.