أخر الأخبار
القاهرة في الحرب.. محاصرون في جامع الفتح
القاهرة في الحرب.. محاصرون في جامع الفتح

القاهرة-خاص-الكاشف نيوز

شقيقا ياسمين أحمد كانا عالقين في حصار لأكثر من 12 ساعة. تكدسوا في غرفة خلفية قائظة، ومحصنة بالكراسيّ والطاولات الخشبية، وكانوا محبوسين جنباً إلى جنب مع مئات الإسلاميين الهلعين والجثث المتحللة منذ عطلة نهاية أسبوع أخرى من العنف.    

بعيداً عن المحتجين المحاصرين، وفي أسفل ممر داخل قاعة الصلاة الرئيسية للمسجد، احتشد قائد في الجيش مع مجموعة من قواته في دائرة. واقفاً على سجادة بالية تغطيها بقايا القطن الطبي والضمادات الجراحية، كان وجهه يلمع بسبب العرق.    

مئات من السكان المحليين احتشدوا أمام البوابات الحديدية المدببة لباحة المسجد. الكثيرون منهم لم يكونوا في مزاج أن يغفروا للعالقين في الداخل؛ ففي أذهان بعض المصريين أن مؤيدي مرسي أصبحوا أكثر من "إرهابيين" خارجين على القانون.  

"مصيرهما ـ الآن ـ ليس في يديّ، قالت ياسمين، وهي طالبة جامعية في العشرين من عمرها. "إن الجيش والشرطة يعتقدون أن المحاصرين في الداخل إرهابيون. لكنهم ليسوا كذلك. ما نعيشه الآن فوضى. ثمة فوضى تعم الشعب المصري".

كان الخوف والقلق واضحين. أخذ القارب الذين كانوا يبكون يتجولن حول القاعة، بعيونهم المتسعة ومضغهم العلكة على نحو محموم.   

إضافة إلى الشعور بالارتباك، حاول العشرات من المدنيين دخول المينى. في أثناء ذلك، صاح مئات من أنصار مرسي ـ الذين بحثوا عن ملاذ في المسجد بعيد الاشتباكات المسلحة التي اندلعت قرب ميدان رمسيس يوم الجمعة ـ وصرخوا من خلف المتاريس.   

عند حوالى 12:40 بعد الظهر، تدهور الوضع فجأة. رشقات كثيفة من إطلاق النار بدأت تدوي خارج المسجد. "إنهم الإخوان المسلمون"، صرخ صبي في سن المراهقة. "إنهم يطلقون النار علينا من أعلى".

اجتاح الذعر قاعة الصلاة. ركض عشرات من رجال الأجهزة الأمنية لتوقير مأوى تحت النوافذ الشرقية. آخرون ربضوا خلف أعمدة سميكة بينما رشقات الذخيرة الحية تدوي قريباً خارج المسجد.  

ركض شرطي ليهمز بندقيته من خلال نافذة محطمة في الجدار الغربيّ. أخذت عيونه المتوثبة في البحث عن مصدر إطلاق النار. ولعدم رؤيته أي هدف، خطا مبتعداً.

فجأة، اندفعت ـ على نحو متقطع ـ فرقة من الشرطة المسلحة نحو الممر المؤدي إلى الغرفة الخلفية المحصنة، واصطفوا مستندين على الجدار. موجهين فوهات بنادقه إلى أعلى، أعدوا أنفسهم لإنهاء الحصار. مجموعات من المدنيين، والأقارب وأفراد شرطة مسلحين ركضوا للاحتماء بجوار الحائط الشرقيّ.   

عندئذٍ، أشار أحدهم إلى النوافذ في الطابق الثاني، المطلة على قاعة الصلاة. "ثمة أناس في الطابق العلويّ"، صرخ. وبعد لحظة، كان ثمة ومضة ضوء وانفجار صغير في وسط الغرفة. بدأ الجنود والمدنيون بالصراخ. لقد تبددت غيمة من الدخان الشاحب في أرجاء القاعة.    

بعد ثوانٍ، كان هنالك دويٌّ آخر، جاء ـ هذه المرة ـ من الممر المؤدي إلى الإسلاميين المحصنين. عمّت حالة من الذعر فيما بدأ هؤلاء الموجودون داخل المسجد يفرون نحو الباب. أمر ضابط كبير في الشرطة الناس بالمغادرة، ملوِّحا لهم بشراسة وهو يدخل قاعة الصلاة وفي يده اليمنى بندقية كلاشنكوف.    

في الخارج، احتمى عشرات المدنيين الذين تمكنوا من الوصول إلى الساحة الرئيسية بجدران المسجد فيما دوت رشقات ثقيلة من الذخيرة الحية حول ميدان رمسيس. وقال شاهد عيان إنه رأى إطلاق نيران من مئذنة المسجد.  

وسط الخوف والارتباك، تجمهر المدنيون الغاضبون ـ بحنق ـ حول الصحافيين الأجانب الذين كانوا يغطّون الحصار. أحد المراسلين الغربيين فقد الوعي فترة وجيزة بعدما ضرب على رأسه بعصا. أطلق الجنود النار في الهواء ليفرقوا المهاجمين.   

أنقِذ ـ على الأقل ـ صحافيان من غضب المحليين بواسطة القوات المتمركزة في ميدان رمسيس. مراسلون آخرون ألقِي القبض عليهم أو احتُجِزوا في القاهرة السبت. إن جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت بالرئاسة السنة الفائتة بعد عقود من القمع، تنظر بغضب إلى شطبها مرة أخرى من الحياة السياسية في مصر. وقد وردت أنباء عن حازم الببلاوي، رئيس وزراء مصر، أنه اقترح حل الجماعة، رافعاً من احتمالات اعتقالات واسعة النطاق إذا أصبحت قيادة الجماعة خارجة على القانون.    

ووردت أنباء أيضاً عن أن قوات الأمن المصري اعتقلت شقيق زعيم القاعدة، أيمن الظواهري. وكان محمد الظواهري، وهو زعيم جماعة سلفية محافظة متشددة، احتُجِز عند نقطة تفتيش في الجيزة. يقال عنه إنه حليف للرئيس المخلوع، مرسي، وهو متهم بقيادة إسلاميين متمردين في شبه جزيرة سيناء.    

بدأت الحكومة الانتقالية، مدعومة بالمؤسسة العسكرية التي يبدو أن لا سبيل إلى كبحها، حرباً دموية على الإسلام السياسي. وكانت المذابح المتعاقبة على مدى الأسابيع الستة الفائتة وحشية على نحو صادم، حدَّ أنْ لا أحد يعرف بالضبط كم عدد الذين قتلوا.

حتى لو أخذنا التقديرات المتحفظة لموظفي الصحة، فإن إراقة الدماء تشير إلى بلد يمزق نفسه. لقي على الأقل 600 شخص مصرعهم بعد مذبحة الأربعاء الماضي ضد مؤيدي مرسي؛ وتبعهم 170 يوم الجمعة الفائت؛ ومئات آخرون منذ الانقلاب الشعبي الذي استقبل من قِبَل بعضهم بابتهاج يوم الرابع من تموز.  

لا أحد كان في مأمن. فمن القتلى في أحداث عنف يوم الجمعة كان عمار بديع، ابن المرشد الأعلى لجماعة الإخوان. وفي يوم الأربعاء، قتلت ابنة محمد البلتاجي، وهو أحد قادة الجماعة، خلال المذبحة. يقول مصطفى يعقوب إنه عرف أسماء البلتاجي (17 عاماً) وإنها نشأت بمنأى عن أيديولوجية "الإخوان"، التي اتنقها والدها.  

ويقول مصطفى يعقوب أيضاً إن أسماء شاركت إلى جانب الليبراليين والمتظاهرين العلمانيين الذين كانوا يقاتلون قوات الأمن المركزي في المظاهرات العنيفة التي جرت بنهاية 2011.   

"كانت شابة وأرادت أن تطور أفكارها"، يقول مصطفى يعقوب. "أدت الكثير من العمل المجتمعي. أرادت أن تكون منفتحة على الأطراف الأخرى من المجتمع". لقد تحطمت هذه الآمال يوم الأربعاء عندما مزق رصاص الشرطة معسكر الإسلاميين شرق القاهرة.  

لقد رد الإسلاميون على العنف الحالي بهجومهم على الكنائس، وبيوت المسيحيين وأعمالهم. تؤكد الهجمات ما اشتبه به العديد من الليبراليين منذ فترة طويلة ـ أن أتباع الإسلام السياسي وكلاء للتعصب ولا يصلحون لأن ينعموا بالسلطة في مصر.   

التقارير الواردة عن أن السلطات تفكر في سبل كي توْدع "الإخوان" في غياهب النسيان السياسي هي نتيجة طبيعية لمثل هذه الميول.  

حتى القاهرة، المدينة التي تتنفس بحيوية صاخبة، تبدو أنها ماتت صنوفاً من الموت. ونتيجة لحظر التجوال الجديد، غلّف وسط المدينة بظلال مهلكة من الهدوء مع حلول الليل.   

الشوارع التي عادة ما تكون مكتظة الباعة المتجولين والسائقين الذين يطلقون أبواق سياراتهم أصبحت خالية. المتطوعون المدنيون عند نقاط التفتيش ـ وهي عادة ما تكون حواجز طرق فولاذية تم جرها إلى الشارع ـ  يتحققون من صناديق السيارات وينقبون في حقائب الركاب.  

بالنسبة لسكانها الـ17 مليوناً، نادراً ما تكون المدينة غريبة هكذا. وبالنسبة لصناع الخارطة السياسية لتحول مصر المؤلم، لن يبدو المستقبل اقل ثقة من الآن.