يحذرنا “العلاًمة” محمد العريفي من مغبة الاحتفال بـ”الكريسماس”، ففيه ما فيه من مظاهر “الشرك” و”الخمور” ... ويستجيب سلطان بروناي للفتوى الصارمة للشيخ السلفي، فيمنع احتفالات الميلاد المجيد في بلاده، ويحكم بالسجن على كل من تسوّل له نفسه، تقليد بابانويل، أو إرسال بطاقة معايدة لجار أو صديق مسيحي ... وثمة سيل لا ينقطع من الفتاوى الشاذة، التي تحرم السلام على المسيحيين أو مصافحتهم وإلقاء التحية عليهم ... مثل هذه المواقف والممارسات الشاذة، لا تصدر إلا عن مرضى ومتعصبين وشاذين، فكيف يمكن لرجل أو امرأة في مستهل هذا القرن، أن يتلفظ بألفاظ عنصرية شائنة ومشينة من هذا النوع. العريفي ومن هم على شاكلته وطرازه، من “علماء الأمة”، ما حلّوا في بلد إلا وعاثوا فيه تقسيماً وتخريبا ... هؤلاء امتهنوا لعبة تقسيم الناس إلى شيع وقبائل... التطرف والغلو والديماغوجيا، تسير في ركابهم، حيثما حلوا وارتحلوا، ولقد كان لنا نصيب من النتائج المؤسفة لإفتائهم الموغل في الرجعية والتخلف ... هؤلاء هم الذين قذفوا بأبنائنا وبناتنا إلى أحضان الإرهاب، من أفغانستان وحتى سوريا والعراق، مع أنهم سادرون في ترف العيش ورغده، يتنقلون بين بلاط السلاطين ويستغفلون العامة والبسطاء. نحن أهل الشام، أبناء هذه المنطقة بفسيفسائها الدينية والمذهبية والقومية والعرقية، لا نحتاج لفقهاء البوادي والقفار البعيدة، لتعليمنا أمور ديننا ... نحن أصحاب الدين الوسطي المتسامح المعتدل الصحيح ... نحن الأقرب لروح الإسلام وثقافته وتقاليده ... نحن أتباع دين المحبة والسماحة والعيش المشترك ... نحن الذين بالكاد نتعرف على الهوية الدينية والمذهبية لأصدقائنا وجيراننا، وغالباً عن طريق الصدفة المحضة ... لا نريد لهؤلاء أن يعيثوا فساداً وإفساداً بمعتقداتنا وتراثنا، فاليرحلوا عنا، وليكفوا ألسنتهم التي ما فتئت تلسعنا. الأردني المسيحي اليساري، نايف حواتمة، ابن السلط، قاد فصيلاً فلسطينياً مقاوماً لنصف قرن تقريباً من دون أن ينتبه أحد لأردنيته أو مسيحيته ... واستشهد تحت رايته مئات المناضلين والمناضلين في الطريق لتحرير فلسطين ... والمسيحي الفلسطيني جورج حبش، ابن اللد المحتلة، قاد فصلاً أساسياً من فصائل منظمة التحرير، واستشهد تحت رايته، مئات المناضلين والمناضلات من الأردنيين والفلسطينيين والعرب والمسلمين، من دون أن تستوقف خلفيته المسيحية أحد، أو أن يجعل منها “قصة” و”حكاية”... بعض مسيحيي فلسطين أعطوا لحماس أصواتهم في آخر انتخابات فلسطينية، من دون التوقف عند مرجعيتها الإخوانية ... وكثير من مسلمي فلسطين انتخبوا مسيحيين لتمثيلهم في البرلمان الأردني من قبل وفي المجلس التشريعي الفلسطيني من بعد ... فاليفرنقع فقهاء الظلام عن نسيجنا الاجتماعي وإرثنا الثقافي، وليهنأوا في ظلامياتهم ما شاؤوا، أو بالأحرى، فالندعهم في ظلالهم يعمهون. أما نحن أبناء الشعب الواحد، مسيحيين ومسلمين، فسنظل أوفياء لإرثنا المشرقي الوارف والمديد ... سنبقى مخلصين لإرث الرواد الأوائل من الآباء والأجداد، الذين لم يعرف التمييز طريقاً إليهم ... سنستذكر إنجازات الرعيل المؤسس في مختلف ميادين العمارة والبنيان، من دون أن نفرق بين زيد وعبيد، أو بين جورج ومحمد ... وسنظل على عهد التواصل والتفاعل والتعاضد والتوادد، مواطنون متساوون، لا منّة لأحد على أحد إلا بما يقدمه لوطنه وأهله وشعبه ... سنظل نتبادل التحايا والتهاني والتبريكات عن حب وشعور صادق نبيل، وليس من باب الواجبات الثقيلة، سنفرح لفرح كل مواطن ونحتفي بنجاحه، من دون سؤال عن أصله وفصله، أو عن دينه ومعتقده. وفي مواجهة هذه الموجة الظلامية – الداعشية القاتلة، أدعو جميع الأردنيين والأردنيات، هذه السنة بالذات، إلى تكثيف الاحتفالات والإفراط في مظاهر الفرح المشترك بالأعياد التي تأتي هذه المرة، جماعة لا فرادى، لنظهر لهؤلاء وغيرهم من سندة التطرف والغلو والإرهاب، بأننا على عهدنا ماضون، وأن روح المقاومة لن تنطفئ في عروقنا وقلوبنا، وأننا سنعيش الحياة التي نرغب بها، لا المفروضة علينا، خصوصاً حين تأتي الإملاءات والمزايدات، من أصحاب الكروش المتخمة بالملذات، الذين تمتد اهتماماتهم وأولوياتهم على مساحة شبر واحدٍ فقط، يفصل ما بين معداتهم وما دونها.