لم تبق فكرة أو دعوة أو مبادرة لم يلجأ اليها الفلسطينيون في غزة للتغلب على عناد حركة حماس ورفضها تسليم معبر رفح للسلطة الوطنية، كان آخرها اقتراح الجبهة الشعبية الأخير بتسليم المعبر لشخصية وطنية.
المخيلة الفصائلية الفلسطينية في هذا الموضوع اتسعت بما تحمل من افكار ورؤى واقتراحات . وربما صار لدى الفصائل استعداد لتسليم المعبر للشيطان نفسه في سبيل انهاء المأساة الانسانية، لكنها اكتفت بـ" ابداع "جديد من خلال تسليمه لـ" شخصية وطنية".
قبل ذلك، هناك من اقترح تسليم المعبر لـ"الاونروا"، وقال غيره الصليب الاحمر. وقبله عرضت حماس على الفصائل تشكيل لجنة فصائلية لإدارة غزة ومعابرها، ولم يوافقها أحد. ثم وافقت حماس على اقتراح أن يتسلم الحرس الرئاسي ادارة المعبر وضبط الحدود مع مصر، لكنها سرعان ما وضعت شروطا تعجيزية وارفقتها باتهامات تخوينية دفعت بالمقترح الى حائط مسدود.
صارت الساحة الفلسطينية مثل قطار يعمل على مدار الساعة لكنه لا يصل لأنه لا يتحرك، وكأن المهم أن نلقي بما علينا من أحمال، وعلى المتضرر اللجوء الى القضاء!
لم تمض ساعات على تبلور فكرة الجبهة الشعبية وما اذا كان المقصود شخصية اعتبارية كمؤسسة أو هيئة ما أو شخصية فردية بعينها حتى أعلن القيادي الحمساوي محمود الزهار رفضها، كما رفضت حركته افكارا أخرى مماثلة. مصدر سياسي قريب من صياغة الاقتراح الاخير قال إن الناس ضاقت ذرعا بما وصلت إليه أوضاعهم من ذل وانكسار شمل كافة مرافق الحياة بسبب سياسة حماس، ولا بد من ممارسة كل أشكال الضغط عليها بالأفكار المتعددة أو "الهاشتاج" ...
ربما لو تريث الدكتور الزهار قليلا لاستمع إلى رفض السلطة الوطنية وحركة فتح لهذا المقترح الذي يحمل في ثناياه أسباب عدم استمراه، وابقاء النزاع والتوتر بين السلطة وحماس مرشحا للعودة الى الوضع السابق مع أول احتكاك أو تصريح.
ثم، مَنْ هي مرجعية تلك "الشخصية" في حال بروز أي خلاف: السلطة أم حماس أم كلاهما (إذا افترضنا اتفاقهما). أم الشعب من خلال الاستفتاء، أم صاحبة المبادرة نفسها؟
أليس في الاقتراح هروب من مطالبة حماس بتخليها عن سيادة معبر دولي ووضع حد للكارثة الانسانية التي وضعت غزة فيها تحت مبررات لا وجود لها؟
إذا كان الأمر كذلك، ماذا بشأن المطار والميناء واستخراج الغاز من البحر؟ ماذا بشأن المعابر الأخرى واصدار الهويات وجوازات سفر المواطنين وبسط الأمن والنظام في البلاد؟ ماذا بشأن قرارات السلم والحرب، هل يمكن تسليمها لـ"شخصية وطنية" أيضا؟ هل أصبحت السلطة شخصية غير وطنية!؟
الاقتراحات التي استدعى اطلاقها مناسبة وطنية، وربما رفض أصحابها الصمت على جريمة ترتكب على مرأى العين، أو كما يقال "فشة خلق" تحتاج الى وضوح واستكمال خطوات كي لا ندور حول أنفسنا قبل الاقلاع.
ما يحدث على معبر رفح لا يعدو كونه سطوا بالقوة على إدارته، في غياب صاحب الولاية الحقيقية قسرا: الحكومة القائمة، أيا كان اسمها، وأيا ما تكون الحكومة اللاحقة، وليس حزبا أو هيئة أو شخصية وطنية..
وزير الداخلية بما يمثل تقع على عاتقه إبقاء الموظفين الجدد أو القدامى في مواقعهم أو نقلهم الى حيث يراه مناسبا في الادارات الأخرى، على أن تتم مساءلته أمام المجلس التشريعي، وليس لفصيل أن يعترض. تلك قواعد النظام الدولي وتلك أولى خطوات الاصلاح والمصالحة التي غابت بعد حدوث التغيير في الانتخابات التي فازت فيها حماس.