لا يمكن قراءة التطور الأخير في العراق دون اعتلاء عتبة من التفاؤل و لو كان بالحد الأدنى، فالرمادي علامة فارقة فيما يتعلق بالوجود السني في العراق و لم يكن انسلاخ «الموصل» وحدها ما جعل المراقبين ينظرون إلى ما يجري على أنه تشظ للعراق إلى دويلات مذهبية، فقد التحقت الرمادي بالموصل لتشكل مع «الرقة» السورية سيناريو لدولة سنية متشددة و بالتالي انكفاء ما تبقى من سوريا والعراق إلى دويلات اضافية متعددة الأغراض إذا ما أخذنا بالاعتبار سيناريوهات الدولة العلوية و الأخرى الكردية.
تحرير الرمادي غير مسار الأحداث و إذا ما استثنينا تطورا سلبيا للأحداث في سياق «الكر و الفر»، أي عودة داعش إلى الرمادي من جديد، نكون أمام انهيار تدريجي لداعش سيتبعه تسليم الموصل التي هي معقل التنظيم الارهابي في العراق.
ما يعزز افتراضات انهيار تنظيم داعش هو الرسالة الصوتية للبغدادي منذ أيام التي لا تعدو كونها محاولة فاشلة لرفع معنويات مقاتليه في خضم الضربة الكبرى التي تلقاها التنظيم في الرمادي.
الحديث عن معارك الرمادي و الموصل كان يجري منذ زمن و طالما تحدثت الحكومة العراقية عن تحضيرات للمعركتين لكن تأخر التحرك بهذا الشأن عزز نظرية تحضير العراق للتقسيم المذهبي، فجاء تحرير الرمادي ليقلب الموازين.
تحرير الرمادي، هو التطور الأول في الحرب على الارهاب بعد هجمات «باريس»، و عدم الربط بين الحادثتين يعد تجاهلاً لحقائق سياسية انبثقت عن الضوضاء العالمية التي خلفها ضرب الارهاب في اوروبا و بالتأكيد الرعب الذي خلفه اقتحام اللاجئين للسواحل الاوروبية و كلاهما امتداد للفوضى في الشرق الأوسط.
الاستراتيجيات السياسية مثلها مثل أي شيء، عرضة للتغيير و التعديل، و القراءة الحالية للاحداث تشي بأن القرار العالمي يتجه لحسم الفوضى في الشرق الأوسط وبالتالي وقف انتقالها خارج حدوده، و ما يؤكد ذلك هو اشتداد ضراوة التحالفات و كثرتها، لكن سير الأحداث ببطء مرهون بتفاهمات الكبار التي تستند إلى مصالح تقبل التسويات لكنها لا تقبل أن تتهدد.
يظهر جلياً أن تعقيدات الملف السوري أكبر من تعقيدات الملف العراقي، لكن ما حدث في الرمادي سيلقي بظلاله على الواقع السوري و لا يجب أن نغفل مقتل قائد تنظيم جيش الاسلام الذي تزامن مع التطورات في العراق، فكل ما يجري يصب باتجاه تصفية التنظيمات الارهابية التي باتت ضعيفة و مفككة.
تحرير الرمادي يعني أن سيناريو تقسيم العراق أُعدم لكن صدقية مسار الأحداث مرهونة بانطلاق معركة الموصل التي أيضاً لا يجب أن تستغرق وقتاً فداعش، بعيداً عن الهالة التي أحاطه بها الاعلام، هو مجموعات تعتاش على مغريات أغلبها مالية و حالما تنتشر رائحة الهزيمة سيولي مقاتلوه الدبر هاربين تاركين كل ما بقي و تمدد!