لو عادت إسرائيل إلى عام 1948 بذهنية هذه الأيام، لما أبقت فلسطينيا واحدا على قيد الحياة، لا في فلسطين عام ثمانية واربعين، ولا في الضفة وغزة والقدس. والسبب واضح، فالمشروع الإسرائيلي مقيد بالديموغرافيا الفلسطينية، التي تحاصره من بضع جهات، وهو حصار تلتف عليه اسرائيل بوسائل عدة، تجنيس الفلسطينيين في الثمانية واربعين، لتصير امتيازات الجنسية، بديلا عن الوطن المحتل، وعبر حصار الغزيين، ليصير الموت جوعا وقهرا، سببا للسكوت، ثم عبر اجهزة اوسلو في الضفة الغربية بديلا عن قمع الاحتلال، واخيرا ورابعا، عبر بطاقة الاقامة في القدس، للمقدسيين، بحيث يصير التهديد بسحبها، سببا في سكوتهم. اربعة تقسيمات، طبقتها اسرائيل فعليا، بحيث قسمت التعامل مع الفلسطينيين في الداخل الى اربع حزم، لكل حزمة شكل مختلف من التعامل، والغاية تفتيت البنية الديموغرافية وإتعابها والحاقها بالاحتلال سياسيا وامنيا واقتصاديا. الذي لاتنتظره اسرائيل تحديدا يأتي من فلسطينيي الثمانية والاربعين، الذين يتم رشقهم من العرب كونهم يحملون جنسية اسرائيلية، برغم انهم ابطال، اذ يكفيهم انهم بقوا في وجه الاحتلال، ولم يتركوا ارضهم، لكنها عجائب الدنيا، اذ يكيد لهم الاحتلال، ويبيعهم العرب المراجل الزائفة، وهذا الذي لاتنتطره إسرائيل، يتعلق بالمقاومة في هذه المنطقة، من حيث وجود حركات سياسية، تقف في وجه الاحتلال بوسائل مختلفة، إضافة إلى خروج من ينفذ عمليات ضد اسرائيل، من داخل هذه المناطق. رئيس الحكومة الإسرائيلية يخرج غاضبا، قائلا: إن فلسطينيي الثمانية والاربعين يتعاملون بمنطق غير صحيح، حين يكون شعارهم، اسرائيلي في الحقوق، فلسطيني في الواجبات، وذلك ردا منه على العملية التي نفذها مؤخرا شاب من الداخل. اسرائيل برغم كل العنجهية عاجزة عن كبح هؤلاء، فالجنسية الإسرائيلية، ليست ضمانا لشراء سكوتهم، وبطاقة الإقامة في القدس، ليست سيفا على أعناق المقدسيين، وأفكار الترحيل الجماعي، تبدو ضربا من ضروب الجنون، والتلويح بضم هؤلاء أو أولئك الى سلطة اوسلو، أمر مثير للغثيان، وفيه إقرار أن السلطة بديل مناسب عن سلطة الاحتلال، قادر على خلع شوك الفلسطينيين. سيبقى السؤال الأصعب في وجه كل هذا المشروع، وهو سؤال الديموغرافيا، سؤال تعجز اسرائيل عن مواجهته، ولن تقدر على مواجهته أبدا، وليس أمامها إلا الندم، على أنها لم تذبح كل الفلسطينيين منذ عام ثمانية وأربعين وحتى عامنا هذا.