لم تكن عملية تل ابيب «الغامضة» يوم الجمعة الماضي، والتي شبّهتها الدوائر الاستخبارية الاسرائيلية في معرض التهويل واصطناع دور الضحية بعملية «داعش» الباريسية في 13 تشرين الثاني الماضي، سوى ذريعة اخرى لرئيس أسوأ حكومة يمينية متطرفة في اسرائيل (وكأن اسرائيل كانت ذات يوم حكومة غير سيئة، بيسارها العمالي المزيف او يمينها الليكودي الفاشي).. كي يُعيد اسطوانة التحريض الفاشية المعروفة، والتي وجدت في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، أحد «أبهى» تجلّياتها عندما استصرخ نتنياهو، الذي كانت استطلاعات الرأي العام تقول بانه سيخسر الحكم ويذهب الى الاعتزال، أنصاره من الفاشيين والمستوطنين وأصحاب نظرية ارض اسرائيل الكاملة، كي يذهبوا الى صناديق الاقتراع لمواجهة «تدفق» العرب الذين تنقلهم حافلات اليسار الى الصناديق بكثافة، ما أدى الى إحداث فرق جوهري في النتيجة، منحت نتنياهو واليمين الاستيطاني المُتطرف، فرصة جديدة لإحكام قبضته على الحكم ومواصلة سياسة الاستيطان والتهويد والتنكيل بفلسطينيي «48»، الذين اعتذر لهم عن «خديعة الباصات» لكن الاعتذار، كعادة الصهاينة والفاشيين.. المعروفة، لم يتجاوز حدود الكلام، وعاد نتنياهو الى سياسته العنصرية التي مارستها العصابات الصهيونية، قبل قيام دولة الاحتلال حتى هذه اللحظة.
نتنياهو الذي تتراجع شعبيته في شكل لافت وبخاصة ازاء «فَشَلِه» في وقف انتفاضة السكاكين، وعيّب الاسرائيليون عليه، بأنه غير قادر على توفير الأمن لهم، ادار الدفة – لتفادي مزيد من خسارة رصيده السياسي – باتجاه فلسطينيي 48، وراح يُحرِّض عليهم ويستغل حقيقة ان منفذ عملية تل ابيب، الذي ما يزال متوارياً عن الانظار، هو من فلسطينيي الداخل، ما اثار المزيد من المخاوف لدى الدوائر الأمنية الاسرائيلية بامكانية حدوث عملية اخرى او قيام الشاب الفلسطيني العشريني نشأت ملحم من وادي عارة، باحتجاز عائلة اسرائيلية والمساومة عليها.
اللافت ان نتنياهو استخدم في تحريضه هذه المرة، عبارات ومصطلحات جديدة ولاذعة، تنفذ الى نفوس الصهاينة بسهولة وتستثير غرائزهم وتدفعهم الى مزيد من التنكيل والبطش بالفلسطينيين، سواء في المناطق المحتلة (مدن الضفة الغربية، قراها والمخيمات) كذلك في الوسط الفلسطيني داخل الخط الاخضر، لأن ما «نجح» نتنياهو في إدخاله الى عقول الاسرائيليين الفاشية والعنصرية اصلاً, ارتكز على مخاوف قديمة تتجاوز ما هو مطروح (ولو شكلياً) في النقاش السياسي والدبلوماسي الاسرائيلي والاقليمي والدولي والقائم على أكذوبة (حل الدولتين) أي قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة, الى ما زوّره نتنياهو بأن ثمة «دولة» داخل دولة اسرائيل نفسها عندما قال: لست مُستعِداً لتقبّل دولتين في اسرائيل، دولة «قانون» لغالبية المواطنين ودولة داخل الدولة لـِ»قِسْمٍ» من مواطنيها – مُستطرداً – في «الجيوب» التي لا يجري فيها تطبيق القانون, يوجد تحريض اسلامي وتوجد كميات كبيرة من الاسلحة».
ليس الى هذا الحد – غير المعقول وغير الصحيح اصلاً – وصلت حملة تحريض العنصري الاكبر نتنياهو الذي يفوق في عنصريته افيغدور ليبرمان ورئيس حزب البيت اليهودي « نفتالي بينيت», بل ذهب بعيداً في تحميل نواب القائمة العربية المشتركة المسؤولية، عندما طلب اليهم في غطرسة واستعلاء وهو يشير بسبابته اليمنى، شجب الحادث «بدون تأتأة وكلمات منقمة» آخذاً المسألة الى بُعدٍ ديني محض عبر اضافته «هناك تحريض جامح من قبل الاسلام المتطرف ضد اسرائيل، داخل القطاع المُسلم ونحن نعمل بصرامة ضد التحريض، كما فعلنا عندما اخرجنا الحركة الجناح الشمالي للحركة الاسلامية والمرابطين.. عن القانون»..
حملة تحريض مثلثة الاذرع، عنصرية ودينية بعقلية فاشية, تُلغي قواعد اللعبة الديمقراطية «المدّعاة» وتُضيء على مُعضلة آخذة في التعمق داخل الكيان الصهيوني, بعد أن تركت الاحداث المُتلاحقة وانفراط عِقد التحالفات والمعادلات الاقليمية التي أسهمت اسرائيل في ارساء بعضها, آثارها السلبية على «الاستقرار» الاسرائيلي, ولم تعد حكومة نتنياهو, رغم ترسانة القتل العصرية التي تتوفر عليها والدعم الاميركي غير المشروط والغزل التركي الذي وصل حدود اعلان اردوغان ان «تركيا بحاجة اسرائيل».. فضلاً عن اسهامات اجهزتها الاستخبارية التي يقال أنها «كُلِيّة القدرة» في عمليات تخريب واغتيال وتزويد للأسلحة والذخائر لارهابيي سوريا والتنسيق معهم, قادرة – حكومة نتنياهو – على التنبؤ أو الاحباط المُركّز لعمليات الغضب الفلسطيني بدءاً بسكّين المطبخ وليس انتهاء بالأسلحة النارية مروراً بعمليات الدهس.
صحيح أن ثمة ردود على نتنياهو من نواب القائمة العربية المشتركة، وعلى صفحات الصحف الاسرائيلية وبعض ردود الفعل الخجولة من بقايا اليسار الاسرائيلي, إلا أن ذلك كله لم يستطع وقف أو محو هجمة نتنياهو العنصرية وتحريضه السافر الذي قد يُترجم في الايام او الاسابيع المقبلة بعمليات قتل وارهاب صهيونية ضد فلسطينيي 48 وخصوصاً سَنّ المزيد من القوانين العنصرية في الكنيست.