عنوان المقال ليس حكما فقهيا او موقفا سياسيا من الاخوان المسلمين ،بل هو عنوان بيان اصدره الشيخ حسن البنّا مؤسس الجماعة وكان ايضا العنوان الذي تصدر صحيفة الجماعة بالخط العريض يوم الثالث عشر من كانون الثاني من عام ١٩٤٩ ، اي قبل اغتيال الشيخ باقل من شهر ، وكان البيان جزءاً من استجابات الشيخ البنّا على مطالب الحكومة المصرية آنذاك بعد ان قام الجهاز السري في الجماعه بعمليات اغتيال سياسية بحق خصوم الاخوان .
لكن هذا البيان الذي اصبح محطة تاريخية هامة في مسيره الاخوان كان عنوانا لنهاية مسيرة الشيخ البنّا وتجربته في انشاء الجماعة والتي حاول فيها امتلاك تنظيم ظاهره الدعوه لكن غاياته سياسية ، ودخل سلسلة من التحالفات مع الملك فاروق ضد حزب الوفد وغيره مقابل دعم سياسي وربما غير سياسي ، وربما حاول الشيخ ممارسة الذكاء على الجميع لكنه في النهاية وصل الى مرحلة تم فيها حل الجماعة ومطاردتها واغتيال البنّا ، وشعور بالاحباط من مسار تم كشفه لتنظيم سري اراده اداه قوة للجماعة لتواجه خصومها ،لكنه تحول الى عدو للجماعة ،فاضطر الشيخ البنّا الى إصدار بيان تلبية لطلب من الحكومة المصرية ادان فيه افعال الاغتيال وتبرأ من أعضاء الجماعة ووصفهم بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ،وهو حكم اصدره الشيخ البنّا ليس على تلك المجموعة التي نفذت الاغتيال آنذاك بل على فكره نفذها وهي التنظيم السري الذي كانت غايته الانتقام من خصوم الجماعة داخل مصر من قضاه وسياسيين ومسؤلين مثل القاضي الخازندار والنقراشي وغيرهم .
وفكره التنظيم السري جزء من حاله تذاكي على المجتمع والانظمة لكنه مثل كل التنظيمات التي تستخدم القوه على أساس ديني من السهل ان يفلت عقالها وان تخرج عن المسار ، وهذا ما كان مثلا في سوريا في نهاية السبعينات عندما دخلت الجماعة في صدام مع نظام حافظ الاسد ، ومن يقرا ما كتبه بعض قيادات الجماعة السورية عن تفاصيل ما جرى والخلافات والانشقاقات التي عاشتها الجماعة يدرك ان جزءا من المشكلة هي وجود جسم داخل الجماعة لديه الاستعداد للخروج عن الخط السلمي والدعوي وفتح أبواب العمل المسلح دون امتلاك القدرة على الحسم او حتى إيقاع الاذى الحقيقي بالخصم ، وكانت النتيجة ان الجماعة تدفع ثمنا باهظا لهذا المسار وتتحول الى حالة مشردة سياسيا وتنظيميا .
ولان الخبرة محدودة لدى الجماعة فانها كانت تدخل في تحالفات مع أطراف مختلفة لكنها تتحول بعد ذلك الى اداة تستخدمها تلك الأطراف حتى لو حققت الجماعة بعض المكاسب ،وكما يروي بعض قيادات الجماعة مثل صلاح شادي في كتابة احداث صنعت التاريخ عن علاقة الاخوان بثورة يوليو ومجموعة جمال عبد الناصر فان عبد الناصر قد بايع الجماعة وأقسم على المصحف والمسدس وهو تقليد في الجهاز السري للجماعة ،وان الجماعة قدمت العون للضباط الأحرار وبخاصة في مسار السيطرة على الشارع ،لكن الاخوان انتقلوا بعد عامين من انتصار الثورة الى سجونها وأعواد المشانق وتم حظر الجماعة منذ ذلك الوقت الى ما بعد الربيع العربي ،وقبل هذا كانت الجماعة قريبة للقصر في عهد الملك فاروق ،بل كانت اداة القصر في مواجهة حزب الوفد ،وفي دول اخرى دخلت الجماعه تحالفات مع انظمة لكنها كانت تتحول من تحالفات الى حالة استخدام للجماعه مقابل الأمان احيانا ،ومقابل بعض المكاسب احيانا .لكن لم تكن كل تلك الانظمة تثق بالجماعة ،والأمثلة عديدة في الخليج واليمن والأردن وحتى في مصر في عهد السادات وبعض عهد مبارك .
وحتى في زمن الربيع العربي فقد خانت الخبرة الجماعة عندما دفعت ثمنا باهظا من مصداقيتها الفكرية والدعوية في اندفاعها نحو السلطة ،فالاخوان في الاْردن ومعهم حماس وإخوان المنطقة كانوا حلفاء للنظام السوري ،وكانوا يصفونه بنظام المقاومة لكن ثمنا لتحالف اخر مع تركيا وقطر قفزوا من حضنه وأصبح نفس النظام عدوا ،وحتى في الاْردن فان الجماعة اصابها الغرور فتعاملت بتعال وفوقية مع دولتها ومؤسسة الحكم ،لاعتقادهم انهم على أبواب النصر ،لكنهم عادوا وخسروا مصر ومعظم الخليج والأردن وايضاً حليفهم نظام بشار الاسد ومن خلفه ايران وحزب الله ،ونتيجة الاندفاع بعيدا عن الغاية الاولى للجماعة وهي الدعوة فانها اليوم في نظر من تعتقد انهم حلفاء انها اداة لهم ،وهم يدركون حالة الضعف التي تعيشها .
وكما فعل الجهاز السري في الجماعة وهي جهاز أمني عسكري فعلا سلبيا في مراحل سابقة ،فان الانغماس في العمل السياسي وما فعله هذا المسار من استنزاف للبنية الاخلاقية للجماعة داخليا فانها اليوم تعاني من الشرذمة الداخلية ،والشعارات التي كانت الجماعة ترفعها للناس والدول مثل « الاعتصام بحبل الله «،او قوله تعالى « ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم « ،هذه الشعارات تفشل الجماعة اليوم في استخدامها لحل مشكلاتها ،لان العمل السياسي مثلما هي الأجهزة السرية الامنية والعسكرية تتحول في اي دعوة او حالة فكرية الى حالة ضاغطة على التنظيم وتجبره على دفع أثمان باهظة حتى لو قدمت له بعض الخدمات ضد خصوم الجماعة.
الحكم الذي اصدره حسن البنا على من مارسوا الاغتيالات من أبناء الجماعة قبيل اغتياله بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ليس فقط فاتورة قدمها الشيخ للحكومة المصرية آنذاك مقابل ان يحافظ على الجماعة من دفع ثمن المسار العسكري ،بل هي قناعة وصل اليها ،بعدما دفع الثمن وعرف ان السيطرة على تنظيم عسكري ليس ممكنا لحركة دعوية ،وربما ينطبق هذا على النجومية والمكاسب الدنيوية والأضواء والألقاب التي يصنعها العمل السياسي في قادة تنظيم دعوي يتحدث عن الاخرة ورضى الله تعالى .
مابين العسكرة والحزبية يمكن ان يضيع اي حركة دينية ،ضياع يجعلها تفقد لونها وهويتها ،وربما تجعل من حكم حسن البنّا على أفراد الجماعة الذين قاموا بالاغتيالات بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ،حكما قابلا للتعميم لكن ليس على قاعدة التكفير بل ما يعنيه من فقدان الهوية وتضييع الفكرة والمسار .