لعل مصطلح اضطراب , هو الوصف الدقيق الذي يلخص تاريخ العلاقات السياسية ما بين الرياض وطهران, فرغم أن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين تعود الى العام 1928، الا أن فصول هذه العلاقة لم تكن دائما في أحسن أحوالها , فالتغيرات السياسية الإقليمية على سبيل المثال كانت تلقي بظلالها على تلك العلاقات قبل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979 , وربما ما أقدمت عليه ايران في تعويض النفط العربي عندما قرر العرب وعلى الأخص السعودية معاقبة الغرب على دعم اسرائيل , ما هو إلا مثال على حالات اضطراب العلاقات بين البلدين.
وبعد ساعات من الاعتداء على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد شمال شرق ايران على اثر تنفيذ الرياض حكم الإعدام في حق القيادي السعودي الشيعي نمر باقر النمر، ضمن قائمة إعدامات شملت سبعة وأربعون إرهابيا , أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران .
لاشك في أن الاعتداء على السفارة والقنصلية يعتبر انتهاكًا صارخا لاتفاقية فيينا المتعلقة بالتزام الدول بحمايه وصون البعثات الدبلوماسية وضمان سلامة طاقمها. لكن ازاء سخونة الأجواء بين الجبهتين السنية بقيادة الرياض والشيعية بقيادة طهران , ووسط نيران حرب كامنة تحت الرماد على إثر الاضطرابات بين المحورين سواء في سوريا والعراق , أو الحالة الملتهبة في اليمن في ظل الحرب الدائرة بين التحالف العربي والحوثيين , وقرار الرياض الأخير بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين من الأراضي السعودية , أصبح من البديهي أن نتساءل , هل ستشهد المنطقة العربية صراعا مذهبيا مسلحا في الفترة المقبلة ؟.
بالتأكيد الرياض لاتسعى الى مواجهة مباشرة مع إيران لإدراكها كلفتها الباهظة , وكذلك إيران لذات السبب, ولمعرفة هذه الأخيرة أن الميزان العسكري لاسيما في مجال سلاح الجو في غير مصلحتها , اضافة الى أن السعودية تمتاز عن ايران بتحالفها مع مجموعة لايستهان بها من الدول العربية والاسلامية جاهزة للدفاع عن بلاد الحرمين مثل مصر وباكستان , ناهيك عن أن الدولتين لديهما من الأسلحة ما يكفي لتدمير قدراتهما معاً , وبقدر ما في هذا من تهديد مشترك , فإنه يشكل في ذات الوقت عامل ردع مهم. وتشهد إيران في هذا الوقت حالة انفراج سياسي بعد رفع العقوبات عنها وانهاء الملف النووي ولهذا تفضل الاستمرار في الحفاظ على مكاسبها النووية بعد إنهاء الأزمة مع الولايات المتحدة .
دول الخليج وعلى رأسها السعودية تملك قوة عسكرية أكبر من إيران بكثير بسبب امكانيتها في الحصول على ما تريد من الأسلحة الأمريكية , في الوقت الذي لايمكن لايران الولوج الى مستودعات السلاح العالمية بشكل صريح , ومع عدم تكافؤ القدرات العسكرية من الناحية التقليدية مع السعودية وغيرها من دول المنطقة , لجأت إيران إلى خلق نوع آخر من التوازن الإقليمي من خلال الاعتماد على شبكات الإرهاب وغيرها بهدف زعزعة وضرب استقرار دول الجوار .
نشوب حرب مذهبية في المنطقة ستعيدنا إلى القرون الوسطى , وزمن الحرب بين أبناء الدين الواحد , على غرار ما حدث بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا.
القضاء السعودي موضوعي ولا يتطلع إلى عرق أو طائفة أو جنسية عند اصدار أحكامه , وأجزم بأن أشد المرحبين باعدام نمر النمر هي طهران التي تعبث بدماء الشيعة العرب, وعلهم يدركون ذلك قبل دخول مرحلة اللاعودة .