عام صعب آخر ستشهده منطقتنا، هذا ما أعلنته الأيام الأولى لعام 2016، فالظروف الاقتصادية لمجموعة دول الخليج والتي أظهرت عجزاً كبيراً في موازناتها، بالإضافة إلى الحروب المستعرة في المنطقة، والتي تبدو بلا نهايات في منطقتنا، والاصطدام الإيراني السعودي بعد إعدام نمر باقر النمر، كلها عوامل لا تساعدنا على التفاؤل بعام أفضل عن سابقيه، وإن كانت تدفعنا للشعور بعدم جدوى المحاولات الوهمية لحل الصراعات الدائرة.
في أحد التعريفات السياسية للدول/ القوى الإقليمية أنها الدول التي تستطيع خوض معاركها خارج حدودها الجغرافية، سواء مباشرة أو عبر قوى تخوض حروبها عنها بالوكالة، ووفقاً لذلك فإن صراع القوى الإقليمية بين السعودية وإيران له ساحات متعددة، وله تأثيرات كبرى على المنطقة برمتها.
فتداعيات إعدام نمر النمر، الذي وصل حد قطع العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية، تعني أن المنطقة مفتوحة على خيارات صعبة على جبهاتها المختلفة، وبالتالي فالاصطدام السعودي الإيراني سيكون متعدد الجبهات، وإذا كانت كل دولة ترفض حدوث الاصطدام المباشر، فإن المعارك بالإنابة ممكنة ومتحققة فعلاً، في سوريا كذلك على الجبهة اليمنية يصطدم الحوثيون بالإنابة عن إيران بالسعودية، والتي يمكن لها أن تجعل اليمنيين الجنوبيين بقواتهم أن يقاتلوا على الأرض بالوكالة عنها.
ولا يبدو وجود حل في الأفق رغم القرار غير الملزم الصادر عن مجلس الأمن، فالاصطدام السعودي الإيراني سيمنع التوصل إلى حل حقيقي للأزمة، ولن تستطيع القوى العالمية المتمثلة في الولايات المتحدة وروسيا ممارسة الضغط الضروري للتوصل إلى حل، وذلك لأسباب مختلفة، فالولايات المتحدة تدخل عام الانتخابات الرئاسية، وبالتالي هي غير معنية للتوصل إلى حل خلال هذه الفترة، وسيترك الأمر للرئاسة الجديدة، وعلى الجانب الروسي فإن الكرملين غير قادر في الحقيقة على الضغط على إيران، فهي القوة الحقيقية بجوار قوات حزب الله المحكوم سياسياً من طهران الموجودة على الأرض، ولا يرغب الكرملين في الغوص عميقاً في المستنقع السوري، فهو لا يرغب النزول بقوات روسية على الأرض، ويحب أن يرى المشهد من السماء عبر زجاج طائرات السوخوي.
وبالضرورة من كان يأمل بالتوصل خلال الفترة القصيرة القادمة إلى توافق بشأن منصب الرئيس في لبنان، عليه الانتظار طويلاً فالصراع الإيراني السعودي سيظهر في حارات بيروت على شكل اصطفافات تمنع التوصل إلى توافق بشأن منصب رئيس الجمهورية.
وأما ما يتعلق بنا في الأردن فيبدو أن الجبهة الشمالية ستشهد تحركات كثيفة، فالتنازل الهادئ عن قوات المعارضة السورية في الجبهة الجنوبية السورية لمصلحة إمكانية التوصل إلى حل سياسي في سوريا تبدو مرحلة عفا عليها الزمن، .
وقد يؤثر ذلك على بعض الافتراضات الانتخابية في الأردن، فمجلس النواب الحالي سيكمل مدته الدستورية وسيرحل في الثلث الأخير من كانون الثاني عام 2017، على أن تجرى الانتخابات قبل عيد الاستقلال من ذلك العام .
في الوقت ذاته قد تساعد السعودية حليفها الضروري مرحلياً، واقصد تركيا، للوصول إلى مناطق آمنة في الشمال السوري، أو مناطق حظر الطيران، بالإضافة إلى تقديم الدعم الضروري للمعارضة في غربي سوريا، بما فيها المعارضة التركمانية للضغط على النظام السوري وروسيا وإيران.
المشهد المعقد الذي بدأ به العام الجديد يدفعني للتساؤل الذي لا أملك أية إجابة شافية عليه، هل من الممكن حصر نار الصراع في الجبهات الخارجية للقوى الإقليمية، وهل ستبقى قادرة على خوض معاركها بالوكالة، أم أننا قد نشهد اصطداماً ضخماً بين قوى الإقليم ليكون شعلة لما هو أخطر وأكبر؟