أخر الأخبار
مذبحة سيناء وغطاؤها
مذبحة سيناء وغطاؤها

أمجد عرار

عندما فضّت قوات الأمن المصري اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر وسقط ضحايا، كان هناك من بين المختلفين مع جماعة الإخوان المسلمين، من انتقد فض الاعتصامين وتعاطف مع الضحايا و”الإخوان” ونصحهم بأن يعيدوا قراءة التجربة السابقة وترتيب صفوفهم للانخراط في المعركة السياسية وفق أسس وآفاق عمل جديدة . كان ذلك التعاطف منطلقاً من حس إنساني يتجاوز آنية الموقف السياسي واستراتيجيته، وإيماناً عميقاً وصادقاً بأن دماء البشر ليست ماء، وأرواحهم ليست أرقاماً في بورصة المزايدات السياسية والأخلاقية، مهما كانت الاتجاهات الفكرية والسياسية لمن يفقدون أرواحهم، سواء كانوا من صناع الحدث أم على هامشه.

في سيناء، ترتكب مجزرة يقتل فيها خمسة وعشرون شاباً بدم بارد في طريقهم إلى بيوتهم . قتلوا وهم في وضع الأسرى، وكانوا مجردين من السلاح، وموثوقي الأيدي . رغم ذلك، لا تقول جماعة الإخوان أو المتعاطفين معها شيئاً . حين قال القيادي الإخواني محمد البلتاجي قبل أسبوعين: “إن ما يجري في سيناء رد على عزل محمد مرسي، وسيتوقف فوراً إذا عاد للسلطة”، ظن كثيرون من حسني النية أن هذا موقف شخصي، لكن الصمت الإخواني يظهر أن ما قاله البلتاجي يعبّر عن موقف الجماعة.

بعد عزل مرسي، وكانت الأنظار متّجهة إلى القاهرة والمحافظات، حذّر كثيرون، من تصعيد متوقّع في سيناء، نظراً لوجود أعداد كبيرة من المسلّحين والخلايا النائمة ل”الموساد”، ولقربها من الكيان وما ترعرع من خفافيش ظلام وطابور خامس خلال فترة احتلالها . جاء في ثنايا التحذير تنبيه للإخوان لكي لا يسمحوا لأنفسهم بأن يشكّلوا غطاء للإرهاب في سيناء، وهي جزء من مصر، ولن تكون غير ذلك مهما حصل.

لا أحد يطالب “الإخوان” أن يقبلوا إنهاء حكمهم بطيبة خاطر، أو أن يبصموا للقادة الجدد على ما قرروه، لكن للمعارك الديمقراطية أسسها وأخلاقياتها، وهي ليست محصورة بشكلية صناديق الاقتراع التي طالما حاربها “الإخوان” طوال حياتهم واعتبروها بدعة، إنما تعبير عن إرادة شعبية هي المانح الأول للشرعية، باعتراف مرسي نفسه خلال كلمته في ميدان التحرير.

من حق أي جهة سياسية أن تخوض الديمقراطية من أجل الوصول للسلطة وحكم الشعب كله من موقع سلطة الشعب وليس سلطة الحزب، لكن أول أبجديات هذه المعركة أن تعتمد منهج السلمية التي تعني الممارسة العملية والميدانية ولا تقتصر على الهتاف والبكاء في الفضائيات، في حين ظهر السلاح جلياً، وقُتل قرابة مئة شرطي وجُرح المئات، وقُتل وجُرح مدنيون أبرياء، وأحرقت كنائس ومؤسسات عامة وخاصة ومتاحف ومراكز شرطة، وقبل ذلك ألقي شبان من على أسطح البنايات، وعذّب فتيان ورجال لمجرد الشك بولائهم للجيش.

عندما يقتل إنسان بريء لا يخجل المرء من إدانة قاتليه، أياً كانت الهوية السياسية أو العرقية أو الطائفية للقتيل، ومهما كان القاتل . وإذا كان “الإخوان” مصرّين على أنهم مسلمون، فإن الإسلام وضع ضوابط واضحة تحترم كرامة الإنسان وتمنع قتله من دون حق، وتمنع المساس بدور العبادة، بل تمنع حتى قطع الشجرة.

على “الإخوان” أن يعيدوا تقييم موقفهم، وأن يفكّروا بمصر وشعبها قبل الجماعة، وقبل فوات الأوان .