أخر الأخبار
«شو» يعني لحمة ؟
«شو» يعني لحمة ؟

منذ أن يولد الطفل، في المجتمعات المتخلفة، وتبدأ عيون وعيه تتفتح على الكون، تبدأ سلسلة من الممنوعات تتنزل على رأسه، وتلجم لسانه تحت طائلة: العيب والحرام والممنوع، الأمر الذي يدفعه للإدلاء بأقوال وأفعال بالإكراه، ويتعلم الدرس الأول في القمع، وهو أن عليه أن لا يقول ما يشعر أو يؤمن به، بل ما يرضي الآخرين، أو على الأقل لا يغضبهم! في المدرسة يتكرس الدرس، فهو مطالب بأن يداهن معلمه، حتى لو أخطأ في طريقة تعليمه، أو أعطاه معلومة غير صحيحة، ولأن المعلم «كاد أن يكون رسولا!» فهو منزه عن الخطأ، ولا تجوز مراجعته فيما يلهمه الله من آراء! حين يتقدم السن قليلا بالفتى، يبدأ قمع من نوع آخر، فطاعة ولي الأمر واجبة حتى لو كان مخطئا، وكذا طاعة الأخ الأكبر، الذي هو بمثابة الأب، وتمنع مراجعتهما فيما يفيضان عليه من معرفة وآراء وحكم! حين يخرج المسكين للعمل، إن وجد عملا أصلا، يواجهه علم رب العمل اللدني الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه، فهو الملهم الفطحل الفاهم العالم، الذي تعد مخالفة رأيه من الكبائر المهلكة، وعليه أن يداري علمه وفهمه مراعاة لمستوى علم صاحب العمل، حتى لا يبدو متفوقا، في مكان عليه أن يعتذر عن نجاحه فيه!  وما أن يكتمل نمو المسكين، حتى تتفتح عيناه على واقع سياسي بائس، يقوم على مبدأ «الون مان شو!»، وهو في كل ذلك مطالب بالعيش في ظل منظومة محكمة من القمع والتغييب والإدلاء بأقوال وآراء وأفعال وأنفاس بالإكراه، مع العلم أن الدرس الأول الذي يعلمنا إياه رب الأرباب، الله عز وجل: إقرأ وناقش وحاور، وليس أبلغ من محاورة ربنا سبحانه لإبليس في الحوار الشهير، الذي ورد في القرآن الكريم مفصلا في أكثر من موقع، حين رفض إبليس الامتثال لأمر الرب والسجود لآدم، لأنه مخلوق من طين وإبليس من نار، وكان بوسع الله عز وجل أن يمحو إبليس من على وجه الأرض لأنه أدلى بأقوال صريحة، وعبر عن رأيه بمنتهى الحرية، إلا أن الله عز وجل أمهله إلى يوم الدين، مفسحا المجال أمامه للعمل على تجميع الأتباع والترويج لمبدئه في العصيان، تاركا الحرية للبشر في الاختيار بين اتباع أوامر الله أو السير في ركب إبليس، دون إكراه أو جبر أو قمع! أخذ الأقوال بالإكراه، مبدأ مستقر على نحو استثنائي في المجتمعات المتخلفة، وفق المبدأ الفرعوني الشهير» لا أريكم إلا ما أرى»!!   خارج النص تماما: بعيدا عن تلك الأجواء، شاهدت قبل يومين فيديو لحوار مُهلك بين مراسل صحفي، وطفل من غزة، الحوار قصير جدا، لكنه مشحون بطاقة تكفي لتجير رأسك، يسأل المراسل الطفل: - 

متى آخر مرة أكلتوا لحمة! فيكون جواب الطفل الحائر: -

شو يعني لحمة؟

ما العلاقة بين الإكراه والقمع والقهر، وجواب الفتى..؟

ليس مهما، فليس ثمة قهر ولا إكراه ولا سحق للإنسانية، من جواب كهذ، فهو يعادل ربما سؤال: شو يعني حرية، لشخص لم يعرف إلا العبودية!