أخر الأخبار
عباس وإجابات عن اللا أسئلة
عباس وإجابات عن اللا أسئلة

في خطابه الأسبوع الماضي، في بيت لحم، عرض الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، نقاطاً غابت حروفها، وأجاب عن لا أسئلة، على الرغم من الحديث المسبق عن أهمية الخطاب، لكي ينتظره الفلسطينيون. ما سُمع في الخطاب هو التشديد على رفض فكرة حل السلطة، والدعوة إلى مؤتمر دولي. وفي الحقيقة، لم تصدر إشارة، من المراكز الوازنة في المشهدين، الإقليمي والدولي، تنم عن رغبة أي طرف في "حلّ السلطة"، بل إن فكرةً كهذه لم تصدر إلا من داخل السلطة نفسها، فعندما نجعلها موضوعاً نكون كالذي يلاعب نفسه النرد. ذلك لأن من أعطونا هذه السلطة، لا ينازعوننا عليها، لكي نسجل لأنفسنا مأثرة التمسك بها وعدم التخلي عنها، بل العكس هو الصحيح، فأولئك الذين أتاحوا لنا هذه السلطة مغتبطون لاستمرارها بالكيفية الراهنة! في الوقت نفسه، ليس بهذه البساطة، يمكن الحديث عن دعوة جدية وممكنة، لمؤتمر دولي لتكريس "المبادرة العربية"، والتوصل إلى حل الدولتين، فهذه دعوة من خارج وقائع السياسة الدولية راهناً، ولن يستجيب لها المقاول الأميركي الحصري للعملية السلمية التي فشلت، ولن يتبناها مقاولو الباطن، وهذا أمر يعرفه الرئيس عباس جيداً، أما أن تُطرح الدعوة، اختزالاً، في مناسبة دينية، وكأنها مخرج من المأزق، عثرنا عليه؛ فعندئذٍ ينبغي التساؤل عن الجديد الذي جعل ما كان غير ممكن أمس ممكناً اليوم. الغريب أن التفاؤل المصطنع، في هذه الدعوة، جعل الرئيس عباس، في التفصيل، يبشر مسبقاً، بأهم مخرجات مؤتمر كهذا، فيقول: "تنبثق عنه مجموعة على غرار 5 زائد واحد، أو غيرها من اللجان التي تعمل على حل قضايا عديدة في المنطقة وفي العالم"، ثم يدلل على فاعلية مثل هذه اللجان، بالإشارة الى ثلاثة أمثلة، باعتبارها حلولاً ناجزة، لصراعات في إيران وليبيا وسورية! في المثال الإيراني، كانت إسرائيل المحرك الأساسي لجعل موضوع الملف النووي في موضع توافق إرادات الكبار، فمورست الضغوط للتوصل إلى حل مع طهران، ولم يكن أمر الملف النووي صراعاً بالمعنى الذي يشبه الوضع في فلسطين. أما في ليبيا، فإن الإرادة الدولية والإقليمية الناقصة لم تنجز حلاً، وإنما أنجزت صيغةً ما زالت في طور الاختبار والشد والجذب. وفي سورية، احتدم القتال، وارتفعت وتائر الصراع مع التدخل الروسي، فيما الإرادة الدولية غائبة على صعيد شعب سورية المنكوب، وإن حضرت على صعيد "داعش"، وهي إحدى الناكبين، لا المنكوبين. فليس ثمة صيغة حل (ولو نظرية) في سورية حتى الآن، لكي يجري اختبارها أو تطبيقها، ومن ثم أخذها مثالاً! ربما يكون مطلوباً على صعيد التمني، كما على صعيد الخطابة، أن نقول في المناسبات "إننا لن نسمح" لإسرائيل بإبقاء الوضع على ما هو عليه، وإننا مستمرون في مساعينا في مجلس الأمن والجمعية العامة. لكن حقيقة الأمر، عبّر عنها الرئيس عباس نفسه، وهي أن "الإسرائيليين لا يلتزمون بشيء". والمحتلون، في الواقع، لا ينتظرون منا أن نسمح لهم بشيء. كان الأوجب أن يُقال، في توصيف المهام الفلسطينية في المرحلة الراهنة، إننا مستمرون في سعينا إلى تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني، وإنهاض حركته الوطنية، والعمل على وحدة القوى المقاومة للاحتلال بالوسائل المتاحة، ومنح شعبنا الحق في كيان سياسيٍّ جامع، يعبر عن طموحاته، ويليق به، وكذلك الاستمرار في ملاحقة مرتكبي الجرائم المحتلين، والدعوة إلى مؤتمر دولي، لإدانة الإرهاب الاستيطاني الصهيوني، وعزله ومكافحته! بمثل النص الذي طرحه عباس، ويُجيب عن لا أسئلة، ويضع نقاطاً على غير حروف، مع افتراض أننا نسجل مأثرة التمسك بالسلطة، وعدم التخلي عنها، فيما لا يطالبنا طرف وازن بمثل هذا التخلي؛ يبتعد الرجل عن دائرة الكلام الذي ينتظره الفلسطينيون، ويفتح الباب لظنونٍ تتعلق بالمقاصد الحقيقية، فيصبح معنى تكرار القول إن أحداً لا ينبغي أن يحلم بأننا سنتخلى عن السلطة باعتبارها إنجازاً؛ أن الرجل نفسه هو الذي لن يتخلى عن هذه السلطة، ولا يحلمن حاسدٌ بذلك!