أخر الأخبار
القدس: بعد التهويد.. بدأت «الأَسْرَلَة»!
القدس: بعد التهويد.. بدأت «الأَسْرَلَة»!

في وقت يُعلن فيه قادة اسرائيل، ان «وضعهم» الاستراتيجي, لم يكن ذات يوم افضل مما هو عليه اليوم، وفي وقت يخوض زعيم حزب العمل (يسار الوسط) اسحق هيرتسوغ، ماراثون مُزايدة نحو اليمين والتطرُّف في محاولة لارضاء معسكر اليمين المُتطرف بجناحيه الديني والسياسي، وفي وقت تبدو فيه السلطة الفلسطينية وكأنها باتت خارج اللعبة او التأُثير في قواعد لعبة لم تعد ذات صِلة، إثر فشلها المتكرر في تحديد موقف (أياً كان) مما يجري على الارض الفلسطينية المُحتلة، سواء في ما خص عملية الاستيطان التي لم تتوقف حتى لِلَحظة, ام في مستقبل المصالحة الفلسطينية التي لم تَحدُث ولا يلوح في الأفق انها ستحدث بين الثنائي الذي يحتكر (بعجز كما يجب التنويه) القضية الفلسطينية ويضعها في سوق المناكفة وثقافة التربص وتصفية الحسابات التي تنظم العلاقة بين حركة فتح وغريمتها حركة حماس.
وفي وقت بدأت نُذُر التمرد في صفوف افراد الشرطة الفلسطينية التي تقودها السلطة وكانت عملية بيت إيل (مستوطنة مُقامة على ارض بلدة «بيتين» الفلسطينية الواقعة الى الشمال الشرقي من مدينة رام الله) اولى مؤشراتها, حيث دقت ناقوس «القلق» لدى رئاسة السلطة واجهزتها الامنية تماماً كما حدث في الدوائر السياسية والعسكرية والاستخبارية في دولة الاحتلال.. وفي وقت يُدرك الجميع في اسرائيل وخصوصاً في السلطة وحماس, ان القضية الفلسطينية تراجعت على جدول الاعمال الدولي وخصوصاً العربي, ولم يعد سِرّاً ما يقوله الاسرائيليون عن «عمق» علاقاتهم «السرية» (حتى الآن) ببعض العواصم العربية التي لا تُقيم معها علاقات دبلوماسية علنية، سراً او مخفياً, بل وصل صلف الاسرائيليين الى دعوة هذه الدول لاقامة حلف مشترك في وجه العدو المشترك والمقصود هنا ايران.
في خضم ذلك كُله، لا يتوقف الاسرائيليون للحظة واحدة عن المضي قُدماً في تنفيذ مخططاتهم المعروفة والمُعلنة في طمس الهويّة الفلسطينية على اكثر من صعيد, وفي دفع «الرواية» الفلسطينية ودحرها من التداول في المجتمع الدولي, ودائماً في تحويل الأقوال الى افعال ميدانية تمسّ جوهر الصراع وتأخذه الى منعطفات والتفافات, تُعزِّز الرواية الاسرائيلية وتجعلها غير قابلة للدحض او النقاش.
انتهت اسرائيل او كادت من تهويد القدس ولم تعد مسألة مدينة داود (اي بلدة سلوان الفلسطينية) مجرد اقوال او صك عقار اشتراه الملياردير اليهودي موسكوفيتش في تلك البلدة المقدسية، بل تحولت الى واقع وموقع سياحي وتنقيب على الآثار, يضاف اليها المبنى (سباعي الطوابق) الذي سُميّ على اسم الجاسوس اليهودي الاميركي الذي أُطلِق سراحه نهاية العام الماضي (جوناثان بولارد) وكان قد سميّ «مبنى جوناثان» قبل سنوات من اطلاقه. الان بدأ مشروع «الأَسْرَلَة» وإن على استحياء او لِنقُل على نحو ادق في شكل «اختياري» وفق ما دأب عليه الخبث الاستعماري المعروف, الذي يترك في البداية فقط هامشاً من حرية الاختيار لمن يُريد ايقاعه في براثنه، الى ان يصبح الامر في النهاية اجبارياً تحت طائلة النبذ والطرد خارج اطار القانون, والمقصود هنا هو أسْرَلَة طلاب مدارس شرقي القدس الفلسطينيين, عبر اعتماد المنهاج الدراسي الاسرائيلي بدل المنهاج الدراسي الفلسطيني المُعتمد منذ سنوات طويلة.
صحيفة هاآرتس الاسرائيلية اضاءت في تحقيق مطول نشرته الاسبوع الماضي (29 / 1) على هذا المسعى الاسرائيلي الخطير والذي تم الربط فيه بين الدعم الذي ستُقدمه وزارة التعليم الاسرائيلية لأي مدرسة فلسطينية في شرقي القدس تقبل تدريس مساقات المنهاج الاسرائيلي, وبين زيادة هذا الدعم فيما تزعم الوزارة نفسها ان الخطة التي وضعتها موضع التنفيذ، لا تقلص ميزانيات المدارس، فمن يَبقى يُدرِّس المنهاج الفلسطيني «لن يتضرر» لكن التحقيق يشير الى مسألة غاية في الاهمية وهي ان فلسطينيي القدس يفهمون انه من اجل الحصول على التعليم والدخول الى سوق العمل، هم في حاجة الى الرياضيات والانجليزية بمستوى أفضل، ومَنْ سينضم الى الخطة سيحصل على الاضافة.
هنا يكمن الفخ الذي يقود الى الأسرلة بكل ما تحمله من دلالات سياسية وثقافية واجتماعية ومسماراً ثقيلاً اخر في تهويد القدس واخراجها من دائرة الصراع لصالح اسرائيل، إذ ان عملية الأسرلة, في هذه الشروط, لا يمكن اعتبارها اختياراً حراً، وخصوصاً–وكما يؤكد التحقيق في الان ذاته–ان الفجوات بين المدارس في شطري المدينة (الغربي اليهودي والشرقي الفلسطيني) عميقة جداً.
ماذا فعلت السلطة الفلسطينية؟
حتى اللحظة... لا شيء، فـ»رموزها» معنِيّون بالصراع على «التركة» الرئاسية,والتناحر بين اجنحتها ونُخَبِها الذين يدبرون المكائد والفخاخ لخصومهم...على أشُدِّه، فيما لا تتورع اسرائيل عن منع اي نشاط للسلطة داخل القدس المحتلة, والاكثر خطورة انها حاصرت رام الله وخنقت أهلها وحركة المرور والعمل, ولم تتردد السلطة في مواصلة التثاؤب واطلاق التصريحات التي لم تُخْفِ إسرائيل او تدفعها للقلق.. ذات يوم.