أخر الأخبار
هل تراجع حماس نفسها ؟
هل تراجع حماس نفسها ؟

شغلتنا حركة حماس خلال الفترة الماضية، بعد توجيه اتهامات رسمية لها بالضلوع في تخطيط وإعداد وتدريب عناصر إخوانية في عملية اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، وشغلتنا أكثر عقب صدور تصريح من أحد كوادرها (خليل الحية) بالتنصل من أي علاقة بين الحركة وجماعة الإخوان. التنصل جاء، عقب نفي متكرر على لسان عدد من متحدثيها، لدورها في عملية الاغتيال البشعة، التي قدمت وزارة الداخلية أدلتها بالصوت والصورة والوثائق، ما يعني أن حماس تيقنت أن إصرارها على أنها جزء من جسم الإخوان أصبح مكلفا لها سياسيا، ويمكن أن يضاعف الخسائر الفادحة التي أخذت تتكبدها، منذ سقوط حكم الإخوان، وظهور الكثير من المعلومات بخصوص مشاركة بعض عناصرها في عمليات إجرامية داخل مصر، وهي خسائر تسير بشكل مزدوج. على المستوى الفلسطيني، فقدت الحركة جانبا من رصيدها الشعبي، لأنها منحت أولوية لانتمائها الإخواني على الوطني، وتخوض مناوشات وأزمات لهذا السبب، انعكست تداعياتها على المصالح الفلسطينية عموما، حيث انغمست في رسم تصورات الجماعة، وانخرطت في تصرفاتها السياسية والأمنية، الأمر الذي نجمت عنه نتائج، أرخت بظلال سلبية على الحركة. على المستوى المصري، لم تعد الجماعة مصدر ثقة، بعد ارتكابها جملة من الحماقات، وإسرافها في العداء، وإمعانها في المضي قدما في طريق المكايدات، حيث لجأت إلى توثيق علاقاتها مع كل من قطر وتركيا، وعولت عليهما شكليا في تحقيق المصالحة الفلسطينية، وهي تعي أن تحركات الدولتين تضمر سوء نية حيال التوجهات المصرية. مع أنها تيقنت من هذه النتيجة بحكم الواقع، غير أنها واصلت غطرستها، وتاجرت بكل ما يمكن أن يسيء لمصر، من أحاديث ممجوجة عن إغلاق معبر رفح »لحصار الشعب الفلسطيني«، إلى الالتفاف حول عمليات هدم الأنفاق، وتهريب عناصر إجرامية لسيناء، وصولا إلى الانسجام مع الخطاب الدعائي والمضلل للإخوان الآن، وهي تدرك أن حسابات مصر البعيدة لن تدفعها إلى توجيه اتهامات رسمية لها بالتواطؤ والتآمر. إلى أن جاء الكشف عن قتلة النائب العام، وثبوت علاقة حماس بالعملية، فكانت الصدمة الكبرى، لأنها تيقنت أن الصبر معها وصل إلى نهايته، كما أن الأدلة التي قدمها وزير الداخلية في مؤتمر صحفي عالمي، لن تتأثر بأي تشويش، درجت الحركة على القيام به في مثل هذه الحالات. حماس تيقنت أنها وصلت إلى طريق مسدود مع مصر، وعليها أن تنحني للعاصفة القادمة، وتتوقف عن المزايدات الجوفاء، فعندما تتهم علنا، عليها أن تتمهل وتعيد ترتيب أوراقها، فقد استنزفت كل الآلاعيب الإنسانية والإعلامية والسياسية والأمنية، وأصبح ظهرها المسنود على الإخوان مثخنا بالجراح. الجماعة التي خسرت نسبة معتبرة من رصيدها لدى عدد كبير من الدول العربية، وتراجعت أسهمها عند كثير من الدوائر الغربية، لن تستطيع أن تكون ظهيرا لحركة تتجاذبها قوى إقليمية متصادمة، كما أن الرياح العاتية ضد الإخوان، والقادمة من جهات متباينة، تجعل مصير حماس مهددا أكثر من أي وقت مضى. فهي تخشى مواجهة مستقبل مجهول، ورأت قيادتها ضرورة تجنب الدخول في مواجهة مفتوحة مع مصر، عبر التنصل من عقيدتها السياسية، والابتعاد بضعة أمتار تكتيكية عن الإخوان، دون أن تدرك أن الحيلة لن تنطلي على أحد، والأخطر تفقدها جزءا من ثوابتها العقائدية، ما يضعف الثقة فيها عند من بايعوها أو انتموا إليها بحسبانها جناحا فلسطينيا لجماعة الإخوان في مصر. كما تدرك أن الاتهام بالمشاركة في عملية اغتيال هشام بركات، سوف تترتب عليه خطوات أخرى، لعل أهمها عدم استبعاد إدراجها ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، التي أفلتت منها سابقا بأعجوبة، بعد أن طعنت نحو سبع جهات رسمية في مصر على الحكم أمام محكمة النقض، لكن اليوم ربما لن تجد من يساندها، خاصة أنها لم تستوعب دروس التجربة الأولى، فهي لم تتراجع أو تنكسر، بل لجأت إلى من لهم مصالح في تكريس العداء مع مصر. ناهيك عن عدم استبعاد مخاطبة الانتربول الدولي بشأن ضلوع شخصيات قيادية بالحركة في عملية الاغتيال، فمن السهولة أن تصدر عليهم أحكام قضائية، وسط توافر الأدلة الدامغة ضد من شاركوا في استهداف النائب العام السابق، ومن خططوا لتوسيع دائرة التخريب، وهو ما يضع حماس والدول التي تستضيف عددا من قياداتها في مواقف غاية في الحرج. سواء كانت محاولة الإنحاء التي ظهرت ملامحها في تصريح »الحية« للتنصل من الإخوان، حقيقية أم مناورة، ففي الحالتين، لم تعد ممارسات الحركة المعلنة يتم التعويل عليها، حيث تمت تجربتها أكثر من مرة، ومنحت فرصا عدة للعودة إلى جادة الصواب ولم تعتبر، لأنها لا تجيد التصرف إلا في الظلام. بالتالي من المرجح أن تقدم الحركة على خطوة تصعيدية تجر بها إسرائيل إلى ساحة حرب مفتوحة في قطاع غزة، اعتقادا أنها توفر لها طاقة أمل للخروج من الشرنقة التي بدأت تضيق على رقبتها، فلسطينيا ومصريا، ففي هذه الحالة ربما تتوارى المنغصات والضغوط التي تقوم بها حركة فتح، وتضطر مصر إلى تجنب الدخول معها في ملفات شائكة، لأنها تعي المسئولية التاريخية الواقعة عليها حيال القضية الفلسطينية. ما لم تنتبه إليه الحركة، وفقا لهذا السيناريو، أنها قد تتعرض لمخاطر جمة، تضع مصيرها على المحك، فجميع الحروب العسكرية التي شنتها إسرائيل على غزة، تمت في أجواء إقليمية مختلفة عما هو حاصل الآن، وكانت هناك توازنات فرضت على تل أبيب كبح جماح طلعاتها الجوية. في ظل المتغيرات الراهنة في المنطقة، ربما ينفلت عقال الأمور، وتتلاشى عوامل الردع السياسية السابقة، ولن يبقى أمام حماس سوى أن تراجع حساباتها بجدية وتتخلى عن ممارساتها العرجاء، وهو ما يمكن أن يحدث، إذا غلبت برجماتيتها المعهودة، على مصالحها الأيديولوجية.