أخر الأخبار
كاسرو الصمت
كاسرو الصمت


بكل ثقة أستطيع تصنيف الصحفي اليساري الاسرائيلي جدعون ليفي على أنه صديق ، وأتمنى أن يكون صديقي شخصياً ، وأن أتعرف عليه عن قرب وألتقيه ، فكلانا اختار بوعي أن يقف في خندق واحد مشترك ، خندق الدعم لنضال المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وخندق الرفض للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وسياساته وسلوكه الاحتلالي والعنصري . منذ وقت ليس بالقريب أتابع ما يكتب جدعون ليفي عن مسألتين متعارضتين أولهما عن الاحتلال الاسرائيلي وعنصريته ، وثانيهما عن معاناة الشعب العربي الفلسطيني وتطلعاته ، فهو يصف اسرائيل على أنها “ دولة محصنة وعنيفة وخائفة وهي مصممة على العيش على السيف “ ويخاطب الاسرائيليين بقوله “ هل تتخيلون أن الفلسطينيين سيتنازلون عن حقهم ؟؟ وهل في الاصل في نظركم توجد لهم حقوق ؟؟ يسأل جدعون ليفي عن وعي الاسرائيليين اذا كان لديهم ادراك أن الفلسطينيين لهم حقوق واذا كانوا كذلك هل سيتنازلون عن حقوقهم ؟؟ . سؤال جوهري أساسي لا يمكن أن نجد اجابته الا اذا أدركنا مغزى الفعل الكفاحي “ الارهابي “ الذي يقوم به الشباب والشابات ومحاولاتهم المس بالجنود ورجال الامن وبالمستوطنين ، والتصدي لهم ويدفعون حياتهم ثمن هذه المحاولات ، أنه التصميم ، الرغبة ، الارادة ، الوعي ، الاندماج حتى نخاع العظم بالوطن الذي لا وطن لهم سواه ، وبالقضية التي لا قضية لهم سواها ، قضية فلسطين وشعبها وهم شعبها ، وحقوقهم الثلاثة التي لا مجال للمساومة عليها ، وعدم الرضوخ لأي محاولات ابتزاز للتنازل عنها : حقهم في المساواة في مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، وحقهم في الاستقلال لمناطق 67 للضفة الفلسطينية والقدس والقطاع وفق قرار التقسيم 181 ، وحق اللاجئين في العودة وفق القرار 194 ، أي العودة الى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 ، واستعادة ممتلكاتهم وبيوتهم فيها ومنها وعليها . ذلك هو الوضوح الفاقع بين طرفي الصراع ، بين المشروعين ، مشروع الاحتلال والتوسع والاستيطان الاستعماري ، ومشروع المساواة والاستقلال والعودة ، بين الشعبين المتصادمين على الارض الواحدة ، بين الفلسطينيين والاسرائيليين . ما يكتبه جدعون ليفي ، يرفع الشعور بالكرامة ، ويُعوض الفلسطينيين عن جزء من احساسهم بالغضب والرفض ، فأن يكون ثمة اسرائيلي يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين ، ويقدم بوضوح وشجاعة رسالة تقول أن معاناتهم سببها الاحتلال وغياب الحس الانساني لدى القطاع الاوسع من الاسرائيليين ، ويتعرض بسبب ذلك لكافة صنوف الاتهام والانتقام والاذى النفسي والمعنوي والدعوة للمقاطعة لأنه يقف مع “ العدو “ الفلسطيني وفق اتهامات المستوطنين وأحزابهم وقياداتهم الصهيونية المتطرفة ، فذلك يدلل على أن نضال الفلسطينيين كما بدا شاقاً وصعباً فهو يجد استجابة وقبول لدى قطاع من الاسرائيليين ، وأن هذا القطاع مهما ظهر محدوداً ، ولكنه يترك بصماته بقوة أمام العالم الذي ضاق من ممارسات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي و عدوانيته و عنصريته . في محاضرته أمام اللوبي الاسرائيلي في واشنطن أذهل جدعون ليفي مستمعيه بسبب ثقته بنفسه لأنه تحدث أمام جمهور غير متعاطف مع الفلسطينيين ، وقدم رؤيته ووقائع لا يملك صاحب ضمير ، أو لديه حس بالمسؤولية ، أو ذرة من انصاف الا ويتعامل مع الوقائع الحسية التي قدمها الصحفي اليساري الاسرائيلي عن خبرة ومشاهدة ملموسة عن تطرف وعدوانية المستوطنين وعن رغبة الفلسطينيين بالحياة والشراكة . يقول جدعون ليفي هناك اقراراً أن اسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لديها ثلاثة أنظمة للتعامل مع البشر ، الاول مع اليهود ، والثاني مع المواطنتين العرب المقيمين في مناطق 48 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، والثالث مع الفلسطينيين أبناء المناطق المحتلة عام 1967 أبناء الضفة والقدس والقطاع ، ولكنه اكتشف نمطاً ونظاماً رابعاً وهو التعامل مع اليهود الذين يرفضون الصهيونية والعنصرية والاحتلال ، وعنوان هذا التعامل هو القسوة والعزلة والتخوين والاتهام بالتجسس وهذا ما تسعى حكومة نتنياهو تثبيته مثلاً في معاملتها مع منظمة “ كسر الصمت “ التي تفضح ممارسات جيش الاحتلال الاسرائيلي مع الشعب الفلسطيني . جدعون ليفي مثل النائب دوف حنين ، مثل يولي نوبك المديرة العامة لمنظمة “ كاسرو الصمت “ وكذلك الشابة الاسرائيلية تائير كامينير التي رفضت قرار التجنيد الالزامي العسكري في جيش الاحتلال ، والمتوقع دخولها السجن لرفضها الالتزام بقرار التجنيد لأنها ترفض بوعي سياسي وبموقف مبدئي مشروع الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ، هؤلاء وربما غيرهم قد لا نعرفهم يحملون هموم انسانية سواء لدى شعبهم الاسرائيلي المضلل بالأكاذيب والافتراءات ، ولدى الفلسطينيين المعذبين والمسكونين بالوجع ويتطلعون لحقهم في الحياة مثل كل الشعوب على أرضهم وفي وطنهم ، وهؤلاء من الاسرائيليين الذين يشكلون روافع مادية ومعنوية لصالح النضال الفلسطيني وعدالة القضية الفلسطينية ومطالب شعبها المشروعة ، وهو ما يفتقده المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي ، حيث تفتقد اسرائيل فلسطيني واحد يملك شجاعة أن يقول أن مشروعها مُحق ، وممارساتها عادلة ، ومنصفة وانسانية ، حتى ولو امتلكت فلسطينياً يعمل معها أو لها ولكن هذا الفلسطيني لا يملك شجاعة أن يقول أنه يُعبر عن انحياز شعبه لإسرائيل سواء كانت من مناطق 48 أو من مناطق 67