أخر الأخبار
النهضة العربية وأدبيات الحكم الهاشمي في الأردن
النهضة العربية وأدبيات الحكم الهاشمي في الأردن

 لقد تبلـورت على امتداد حركة التاريخ العـربي ومنذ وقت بعيد عن مطلع القـرن العشـرين ، نظريـة» الهاشمية» التي صاغت فلسفة شرعية الحكـم ، كما تـراه العقيدة المتمكنة من الوجدان العربي ، و فقه الحاكم كما وضعه «استنباطاً « من نصوص «الرسالة»  الفكر العربي، الذي أسهب في بيان مواصفــات هذا الحاكم وكانت «الهاشمية» عنصره الأساس و غدت هذه الهاشميـة كمفهوم سياسي وتاريخي يلبي متطلبات الزعامة والقيادة لشمولها على عناصر» الالتزام العقائدي» و «الانتسـاب العائلي» و»الشرعيـة الفقهيــة» و» المواصفـات الذاتيــة» التي تستجيب لطموحات وتطلعات « الوعي العربي» المتولد. و» المشاعر القومية « الباحثة عن إعادة بناء «الأمة» لتبدأ حركتها نحو هذا البناء على هدى توجهات قناعاتها الفكرية التي كانت تبحث دائماً عن شرعية تاريخية للثورة ضد الاستبداد قدمتها لها كاملة ثورة «الزعيم» الذي أنجبته «الهاشمية» النظرية الإسلامية في الحكم.
وتنقـل الوثــائق التاريخية، أن «الشريف حسين بن علي» التـزم مـوقف «الرفض» لمسار الحياة السياسية التي سادت « الكيان السياسي» الذي احتوى المشرق العربي « آنذاك» وتجلى هذا الموقف الرافض، في طروحاتـه على امتـداد حياتـه السياسية منذ البدايات، قبل أن يصبح «شريفاً» لمكة المكرمة وعمـل دائماً على توظيف المناصب السياسية التي شغلها قبل الشرافة على مكة، لخدمة «قضية» كان يرى أنها مسؤولية أن لم يكـن هذا باستحقاق القناعـات الفرديـة « كعربي مسلم « فأنه كذلك بحكم «التبعة» التي تقع على عاتقه، في إطـــار»البيت الهاشمي» الذي كان يرى أنه مسؤول عن رعاية المجتمع العربي الإسلامي بحكم « العقيدة والتاريخ» وقد تعرض بسبب هذا ومنذ بدايات حياته السياسية لعقوبة « النفي» من الوطن إلى مواقع الغربة ، تماماً كما وقع له عند نهاية هذه الحياة.
هكذا... جاء الحسين بن علي إلى مواقع القيادة السياسية، شريفاً على مكة، «ثائراً» وهو يحمل في وجدانه، التصميم على تفعيل المسؤولية بمستوياتها العملية ، لإنقاذ الشعـوب العربية في المشرق العربي ممـا كانت تعاني منه، فكان إعلان «الثورة العربية» استجابة للقناعة السياسية الذاتية بالدرجة الأولى، ثم استجابة لطروحات الوعي والمشاعر القومية التي حملها مثقفو الوطن العربي حين رأوا فيه» المنقذ» بالمواصفات المطلوبة.
أما «البيانات» الأولى، التي حملت للدنيا، إعلان قيام «الثورة العربية» ، فقد أكدت بمضامينهـا أن «الرؤيـة» التي سكنت وجـدان قائد هذه الثورة والتي تجاوبت مع الطروحات السياسية والفكريـة لرموز الوعي الذاتي العـربي كـانت هي ذاتهــــا التـــي صـــاغــــت «الأهداف والغايــــات» ورســـمت فكر وفلسفة هذه الثورة :- « نهضة الأمة العربية الإسلامية من غفوتها القسرية « ، «سيادة مبادئ الحرية» ، «تفعيل مـفاهيم الاستقـلال» و «الاضطلاع بالدور المقدر لأمـة كانت بخيـار الله «حاملة رسالة» تهدي بها الإنسانية وإنجاز لمسؤولية « التبعية « الملقاة بخيار الله أيضاً على «أهـل البيت» والتي أوكـلت إليهم «ولايـة» أمر المسلمين، «تكليفاً» قبل التشريف «ورسالة» مؤاداة دون تحريف.
هكذا فأن الثورة العربية وبأهـداف نهضـة الأمة العربيـة «أعـادات وبـدلالات «الرؤيـة» والغايات والقيادة، مسؤولية التبعة وشرعية الولاية على الأمة العربية إلى موقع الخيار الأول منذ بدايات بناء هذه الأمة.. إلى «البيـت الهاشمي» المكلف إرادة بإنجاز أهداف الرسالة ببعديها العقائدي والسياسي، ومسؤوليتها الحضارية الإنسانية «فعادت» نهضة الأمة العربية منذ تلك اللحظة، مسؤولية «هاشمية» بما تدلل عليه «الهاشمية» كنظرية فلسفية للولاية السياسية والحكم الشرعي والمسؤولية القانونية كل هذا بالشروط الموضوعية التي أنجزها «فقة الحاكم» وكما استنبطه الفكر العـربي من نصوص الشرعيـة ووقائع التاريخ.
إن هـذا الواقع «الفطري» الذي استوطن الوعي الاجتماعي العربي والمسلم وهـذه الوقائـع التي استجابت لهذا الواقع هي التي «رسمت» عودة مسؤولية الولاية والرعاية لأمة العرب إلى الخيار الأول وهي التي أعادت إلى أرض الواقع «العروة الوثقى» التي قامت بين آل البيت الهاشمي « كقادة» والمسؤولية الشرعية للولاية على الأمة العربية الإسلامية ، لتوفير الشروط الموضوعية للأمة للقيام بدورها في أداء الرسالة « كأمة».
-لـن نتعرض هنـا لتفاصيل مجريات وقائع الصراع الذي خاضته هذه «الثورة» ببعديه «الداخلي والخارجي» لكننا ننظر نظرة تحليل عاجله في النتائج التي أفرزتها منذ إعلانها الذي ترتب عليه عودة مسؤوليـة النهضـة العربية إلى البيت الهـاشمي، وإعادة تفعيل «الهاشمية» كنظرية حكم وشرعية ولاية منذ إعلان الثورة العربية الكبرى لبناء أسس النهضة العربية حتى اليوم ، الذي يقف فيه الأردن الوطن « قيادةً وشعباً» ليحمـل أعباء هـذه المسؤوليـة بحكم «الولاية... والتاريخ».
-إن نظرة موضوعيه تحليلية عبر وقـائع هذه المسيـرة ستكشف لنا أن هناك محطات، سجلت مواقع فاصلة في حركة التاريخ العربي بشكل عام، والوطن الأردني بشكل خاص، تمس الحاجة إلى استجلائها بموضوعية.
-أولى هذه المحطات ، التآمر «الداخلي والخارجي» الذي أفرز صراعاً دموياً خاضته الثورة ، مما جعلها تصارع من أجل أهدافها فوق ساحات ثلاث:- أولها رفع الاستبداد بمواجهة النظام السياسي الذي حكم المشرق العربي، وثانيها مقاومة الأطماع التي أفصحت عنها القوى العالمية التي تآمرت على مستقبـل الكيـان العــربي المنتظر.
إن هذه الصراعات التي حاربتها الثورة العربية هي التي أدت عند حساب النتائج إلى إحباط الكثير من مشاريعها القومية التي قامت لتنفيذها، فلم تحقق النجاح الذي كانت تنشده في «سوريا»، ولم تصـل إلى غاياتها كاملة في «العـراق» في حين بقى «الأردن» ، محطـة صامـدة محصنـة بصلابـة قيادة «الملك الشهيد» الذي مثل بوقفته هذه المحطة الثانية التي أفضت إليها مسيرة الثورة، بتقـدم الأيام ولقد استمدت هذه الوقفة قوتها من صـلابة قنـاعات «الشيخ الثائر» الذي دفع غاليـاً ثمن تشبثه بهذه القناعات ، حتى قضى منفياً بعيداً عن الوطن العربي الكبير الذي ثار من أجل عروبته.