أخر الأخبار
الله سبحانه.. ليس بالمساجد فقط!
الله سبحانه.. ليس بالمساجد فقط!

انتهيت تقريبا من كتابة مقالة بموضوع آخر.. ولكنني آثرت باللحظة الأخيرة ان اعرِّج على موضوع آخر أُضمِّنه مقالتي هذه بسبب كمية الشير – share التي حصل عليها تعليق وضعته مؤخرا على -التايملاين بالفيسبووك-
يتضمن التالي: « في كل صلاة ، سنعيق حركة المرور ونقف بفوضوية ، ثم ندخل للمساجد ونتظاهر امام الله بأننا منظَّمون، الله ليس بالمساجد فقط «..
نعم.. فهذا الكم الهائل من الشير جاء من كل صوب من العالم العربي من الأردن وفلسطين والسعودية ومصر والبحرين والجزائر.... الخ كلها تتفق على حاجتنا الفعلية الدائمة للتنظيم والانتظام بطوابير سواء كنا راكبين او ماشيين بالشوارع وما يتبع من دروب حياتنا العملية والسلوكية..
فما اكثر ما نصبح منظمين خارج وطننا العربي حالما تطأ أقدامنا ارضا شرقية او غربية مشهورة بترتيبها وتنظيمها واندراجها تحت مظلة قانونية سرعان ما نخرّ لها ساجدينا !
مما يؤكد على ان التطبيق القانوني بسواسية على الجميع هو تربية بحد ذاتها تغيّر تدريجيا العادات السلبية مشكِّلة قفزة نوعية ايجابية تخرج بمحصلة ثقافة جمعية ايجابية تكون بمثابة المرآة العاكسة لنوعية هذا الشعب او ذاك.. وبخاصّة للزائرين الذين يبنون انطباعاتهم على مشاهدات واقعية يشاهدونها بأم أعينهم.. مشاهدات تنطبع بالذاكرة لا مجال لمحوها او تغييرها..
قد يهز البعض أكتافهم قائلين: ومالنا ومالهم.. هاي بلدنا ونحن أحرار فيها!
ونجيبهم: انتم احرار حيثما تسمح به حدود حريتكم.. ولكن تنتهي حريتكم عندما تبدأ حرية الآخرين.. وثقوا بأننا لن ننال ثقة واحترام الاخرين ما دمنا لا نحترم أبناء جلدتنا.. ومن أجل ذلك تُستباح حقوقنا وأراضينا ومياهنا..
فلنتعظ بقول الله سبحانه في كتابه العزيز بسورة آل عمران :
«واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا ، واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم اعداء فألّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا «..
قد نقرأ مثل هذه الآيات. ونفعل العكس تماما.. وخير دليل وبرهان هو الحال الذي آل اليه المسلمون الآن..
فالاعتصام بحبل الله كما يبدو لنا يكون بحفظ الآيات بالصدور دون ان تتفاعل بها القلوب قلبا وقالبا على أرض الواقع..
ويقول الله تعالى بمحكم كتابه العزيز «ولتكن منكم أُمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكَر واولئك هم المفلحون»
لو تدبرنا بكلام الله سبحانه لوجدنا بان الفلاح – النجاح- لن يتحقق بدون الدعوة للخير والنهي عن المنكر قولا وفعلا دون فصلهما عن بعضهما..فالتنظير تحت قبة المساجد ليس غايتنا القصوى بل التطبيق بداية بمغادرتنا لها..
للأسف ثقافة الدور معدومة عندنا بتراثنا العربي فالمكان الأول للأقوى حتى كلمة طابور غير موجودة باللغة العربية بل هي كلمة تركية..
مستشهدين بمعلقة عمرو بن كلثوم :
نشرب ان وردنا الماء صفوا.. ويشرب غيرنا كدرا وطينا
إذابلغ الفطام منا رضيع تخرّ له الجبابرة ساجدينا
وجاء الإسلام وقلّم الكثير ولكننا عدنا لثقافة الجاهلية قافزين عن مضمونه العادل والمساوي والمحترِم للآخَر..
بالمناسبة طالبتْ كل الشيرات والتعليقات بالانضباط وعدم ايقاف المصلّين لسياراتهم عشوائيا بكل مكان سادّة الطريق على كل مضطر محتاج مريض بينما يقف المصلون بطوابير داخل المساجد لنعيش بتناقض خطر..
لفت نظري تعليق واحد مفاده: بأننا لا نعيش بمجتمع اليوتوبيا–-المدينة الفاضلة -..وانه لن يصلح العطار ما أفسده الدهر.. والأمل بالأجيال القادمة.. فنحن راحت علينا ولن ينصلح حالنا..والبركة بالجايين..
نعم نتفق بأن الأمل بالأجيال القادمة.. ولكن حتى يكون الأمل فيهم وارد مؤثِّر.. ويُعتَمد عليهم.. ترى من يربّيهم ويوجههم ليكونوا منظَّمين منضبطين ؟
طبعا الأسرة والمدرسة والمنهاج والإعلام والمختصون.. وكلهم من البالغين الكبار بالسن الحاليين الذين يحملون مسؤولية الأجيال القادمة..
إذن الحل يكمن بالقانون وتطبيقه فعليا لتغيير عادات وسلوكيات البالغين ليكونوا نموذجا يحتذى به من قِبَل الأجيال الصاعدة..
محذرين من قول « جولدا مائير» رئيسة الوزراء الإسرائيلية بالفترة (بين 1969- 1974 ( قالت: لم أخش العرب يوما.. وسأخشى العرب عندما يتمكنون من الاصطفاف بشكل منظم في طابور!
للأسف نطقَتْ بها منذ عشرات السنين.. وهكذا وضعت اسرائيل استراتيجيتها ضد العرب وفق هذه المعطيات التي قد تبدو بسيطة لا أهمية لها ، ولكنها ذات أبعاد تربوية واجتماعية وسياسية واقتصادية.. الخ.. والنتيجة هي التي نحن عليها اليوم نحن العرب !
فعلا.. فنحن لا نقف بطابور ولا نعتذر.. فكل واحد يعتقد بأنه منزّه عن الخطأ...علما بأننا نتقن ثقافة العتاب.. فالكل يعتب على الآخر.. ويعتب على الزمن.. ويتقن ثقافة التأسف على الذي مضى.. والتحسّر على الذي فات !
فهنالك حلقة مفقودة بين التنظير والتطبيق.. بين العلم والعمل.. والرابط بينهما: مفقود.. مفقود..مفقود..
فهل من تعويذة للعثور على هذا المفقود ؟