أخر الأخبار
المسؤولية الغائبة
المسؤولية الغائبة

لو كنا في دولة اخرى غير هذه الدولة، لرفع الناس، دعاوى قضائية، للمطالبة بتعويضات قد تصل الى مئات الملايين ان لم يكن اكثر، على مايتعرضون له من موت بطيء، وسط صمت من الجهات المسؤولة، وكأن الامر لايعينها نهائيا، هذا على الرغم من ان القصة بحاجة الى معالجة، في اغلبها لاتفرض دفع اموال من خزينة الدولة . لنتأمل القتل اليومي، الموت البطيء، من مصفاة البترول في الهاشمية، التي تنفث التلوث، وربما تصل سمومها الغازية الى كل الزرقاء، فيبتلى اهل المنطقة بالامراض الصدرية، وبمشاكل كثيرة، فلا يهتم لهم احد، برغم كل الدلالات، من رائحة الغاز، وصولا الى احوال الناس الصحية، وصولا الى مايعانيه اهل الفحيص، ايضا،، وعانوه تاريخيا، جراء تلويث مصنع الاسمنت للاجواء، وسمومه وادخنته تصل السلط ربما واطراف عمان، فمن يسأل عن الناس، ومن يهتم حتى بأجراء دراسات صحية لمعرفة الكوارث التي تحدث للناس وعائلاتهم واطفالهم؟!. الذي يقود سيارته في الشارع، يلاحظ الاف السيارات، تنفث الغاز الاسود من عوادمها، وهذا سرطان يتم توزيعه  على هذا الشعب، واذا كان هناك حل، فهو المرجلة بمخالفة سائق السيارة، لكن تبقى المشكلة كما هي، عوادم تنفث السرطانات عبر الهواء، واغلب السائقين، يبدأون نهارهم، بالصلاة، والدعاء لربهم ان يرزقهم، ويخرجون لبث الموت البطئ، وقتل الابرياء تدريجيا، ثم يسالون لماذا رزقنا بات صعبا؟ فمن يهتم بحل المشكلة جذريا، بدلا من حلول الجباية، التي لاتحل المشكلة، فلاتفهم كيف يمكن لحكومات تتدعي حرصها علينا، ان تترك المشهدين السابقين، ليقتلا الناس؟!. من هناك تذهب الى باعة الخضار والفواكه، على ميمنة الطريق، وميسرته، والناس تتوقف للشراء، لكن لااحد يريد ان ينبه الناس، الى ان عشرات الاف السيارات التي تمر يوميا، من جانب هذه «البسطات» او «المعرشات» تنفث سمومها وبواقي النفط المحترق، بكل مافيه من مواد كيمياوية، فيصل جزء منها الى الخضار والفواكه، المعروضة، فتترسب فيها، ولو بنسب بسيطة جدا، فيأكلها الانسان، فتضيف الى دمه سما، فوق سموم تلوث الجو، وتلوث سيارات الديزل وغيرها. تذهب الى جانب آخر فتسأل الحكومات هل تعرف بماذا يغذى الدجاج في المزارع، وهل الاعلاف التي تستعمل طبيعية، ام تدخل بها مخلفات الدجاج ذاته، التي يعاد تصنيعها عند البعض، واطعامها لذات الدجاج، فيأكل نفسه جينيا، ويعاد اطعام الناس، دجاج مهرمن، يتسبب بخلل الهرمونات، والامراض من السكري وغيرها، فتسأل اين الجهات المسؤولة، ولماذا لاتخفف من هذا التلوث الغذائي، والجوي، وغير ذلك، فلا يسمعك احد، فالكل مشغول بالاصلاح السياسي!؟. من هناك تذهب الى بند آخر، فالبلد لايهدأ، لا ليلا ولانهارا، ولاتعرف لماذا يستمر هذا التلوث السمعي، فباعة الغاز سابقا، كانوا يستعملون الابواق لتنبيه اهل الحي، ثم ذهبوا للموسيقى، باعتبارنا شعبا مرهف الحس، ولايأتي مسؤول واحد ليقول ان مجرد تجول سيارات بيع الغاز، خطير جدا، في الصيف والشتاء، فهي قنابل متحركة، والدول التي تحترم نفسها، لاتسمح بتجول هذه السيارات، لا بموسيقى ولا ابواق، بل تعتمد نظام الاشتراك في المحلات، بحيث يشترك المواطن مع محل لبيع الاسطوانات، يكون موقعه في الاساس آمنا، فيتصل المواطن طالبا حاجته من الاسطوانات، فيأتيه المحل بحاجته، ويوزع بهذه الطريقة، بدلا من الانسياب في الشوارع، صواريخ جاهزة للانفجار عند اي حادث محتمل. الامر ذاته ينطبق على الذين يستعملون سياراتهم لبيع اي شيء، او يجوبون الاحياء، لشراء الخردة او المواد القديمة، فلا يتركون حيا، الا ويلوثونه سمعيا، ولو كانت هناك جهات مسؤولة حقا، لما سمحت بهذه الفوضى العارمة، اذ بأمكان من يريد ان يبيع شيئا، ان يتصل بمحل من المحلات، لكنها الفوضى، وهي انماط يمكن وقفها، ولاتكلف الحكومات الا قرارات حاسمة، لكنهم فوق الفقر والبطالة، يريدون جعل حياتنا صعبة، مليئة بالضجيج، والتداخل. هذه مجرد امثلة على قضايا يمكن حلها، ليست بحاجة لموازنة مباشرة من الخزينة، يمكن عبرها تلطيف الحياة، جعلها اكثر صحية، اكثر راحة، اقل خطرا، لكن حكوماتنا لاتفعل شيئا، باعتبار ان «البلد سارحة والرب راعيها» وهذا تفريط خطير جدا، بمعنى دور الحكومات، الذي يعني شيئا واحدا، رعاية الناس، بما تعنيه هذه الكلمة، والجعبة مليئة بعشرات الامثلة، التي يمكن طرحها، ومعالجتها، بما يؤدي الى تلطيف حياة الناس، تخفيف قسوتها، مادمتم مفلسين ولامال لديكم لدفعه، لكنهم لايعرفون سوى اجراءات قطع اليد، من ازالة البسطات بالجرافات، مرورا باغلاق مصنع اعلاف مخالف، وصولا الى ملاحقة سائق يعتاش من سيارة نقل تنفث غازا اسود، والاصل ابتداع حلول مبتكرة لاتضر احدا، لا الناس، ولا العاملين في هذه المجالات، وحتى تلك اللحظة، تبقى الجهات المعنية غائبة عن حياة الناس.