أخر الأخبار
هل أصبح تنظيم «داعش» أكثر خطورة؟
هل أصبح تنظيم «داعش» أكثر خطورة؟

مع زيادة الضغوطات على أماكن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش في العراق وسورية واستعادة مساحات جغرافية واسعة وحصاره وقتل عدد من قياداته وبضعة آلاف من أفراده وحرمانه من مصادر تمويلية هامة أصبح التنظيم أكثر خطورة، فعلى الرغم من طبائع التنظيم الإيديولوجية العنيفة وممارساته المتوحشة إلا أن نهجه كان يتسم بالبراغماتية الفجة، حيث اقتصرت مشهديات العنف والرعب داخل حدود سيطرة التنظيم المكانية وحروبه الميدانية التوسعية، وقد حافظ على نهجه المفضل باستهداف العدو القريب والسيطرة المكانية، إلا أن ذلك تبدل عقب سيطرة التنظيم على مدينة الموصل في 10حزيران 2014 وما ترتب عليه من تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة للقضاء على التنظيم في أيلول 2014، حيث عمل التنظيم على دمج الأبعاد الجهادية المحلية والإقليمية والدولية، ودمج بين حروب التمكين والسيطرة والنكاية والانتقام.
تدرجت استراتيجية تنظيم الدولة وتكتيكاته المرعبة من المحلي إلى الإقليمي فالدولي فبعد توغل التنظيم باتجاه إقليم كردستان، وتنفيذ طائرات أمريكية غارات جوية على مواقع وقوات التنظيم، بدأ التنظيم ببث سلسلة من عمليات قطع الرؤوس، ففي 19 آب 2014، قام التنظيم بنشر شريط مصور بعنوان «رسالة إلى أمريكا»، يقوم فيه عضو ينتمي إلى التنظيم بقطع رأس رهينة أمريكي يُدعى جيمس فولي، وفي 2 أيلول 2012قام بنشر شريط آخر بنفس العنوان يتضمن قطع رأس رهينة أمريكي ثانٍ يدعى ستيفن سوتلوف، وكلا الرهينتان صحافيين أميركيين. وعندما بدأت الولايات المتحدة ببناء تحالف دولي واسع للقضاء على التنظيم، وأصبحت بريطانيا أحد أركانه، بث التنظيم شريطا مصورا آخر بعنون «رسالة إلى حلفاء أمريكا» في 13 أيلول 2014 يقوم فيه بقطع رأس رهينة بريطاني لدى التنظيم، يدعى ديفيد هينز، وفي 3 تشرين الأول 2014 بث التنظيم شريطا يقوم فيه بقطع رأس رهينة بريطاني آخر يدعى ألن هينينغ، وفي 16تشرين الثاني 2014 بقطع رأس رهينة أميركي يدعى بيتر كاسيغ، ولاحقا تمت عمليات قطع رؤوس لرهينتين يابانيين بعد تعهد اليابان بدعم دول التحالف.
بعد اشتداد الحملة على التنظيم في العراق وسورية بدأ التنظيم بنقل المعركة إلى كل مكان يمكن أن يصل إليه، وباتت حروبه تتبع مستويات انتشاره ونفوذه فقد أصبح التنظيم الأيقونة الجهادية المعاصرة الذي باتت تتبعه معظم الحركات الجهادية في العالم حيث تلقى التنظيم أكثر من 150 بيعة من جماعات ومجموعات جهادية من معظم دول العالمين العربي والإسلامي، وتمكن التنظيم من تأسيس وتكوين أكثر من 50 فرعا وولاية تتبعه، وأصبحت استراتيجيته القتالية تقوم على هجين من مكونات الجيوش الكلاسيكية وتكتيكات حروب العصابات في مناطق سيطرته ومجاله الحيوي، وهو يهاجم في ولاياته وفروعه ويسعى لتثبيت سيطرته، وقد عمل التنظيم على تأسيس جهاز للعمليات الخارجية من خلال مجاميع وخلايا في مناطق عديدة، كما عمل على تفعيل الهجمات الفردية وإحياء مفهوم «الجهاد الفردي» وتنشيط مصطلح «الذئاب المنفردة»، وهي ظاهرة برزت في سياق العولمة وتم استدخالها في قاموس الجهادية العالمية عن طريق تنظيم القاعدة وطورها تنظيم الدولة الإسلامية، وقد باتت مقلقة لأجهزة الاستخبارات العالمية نظرا لسرعة انتشارها وصعوبة اكتشافها وعدم القدرة على التنبؤ بنتائجها ومعرفة دوافع أفرادها، وفداحة وخطورة خسائرها، فعملية إطلاق النار في أورلاندو الأمريكية في 12 حزيران 2016 على يد عمر متين هي بدون شك الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأسفرت عن سقوط 50 قتيلا و53 جريحا، وقد أعلن متين عن ولائه لتنظيم الدولة الإسلامية، وفي أوروبا قام العروسي عبد الله بقتل ضابط شرطة ورفيقته طعنا بعد أن احتجزهما في منزلهما بباريس في 14 حزيران 2016، وكان العروسي قد أعلن عن انتمائه لتنظيم الدولة الإسلامية، ونفذ التنظيم من خلال «الذئاب المنفردة» مجموعة من العمليات في مناطق مختلفة في الولايات المتحدة وأوروبا والعالمين العربي والإسلامي.
هجمات تنظيم الدولة الخارجية باتت أكثر خطورة وكلفة ماديا ومتقاربة زمنيا وموزعة جغرافيا ومؤلمة رميا، فقد قام التنظيم مؤخرا بالهجوم بسيارة مفخخة في 21 حزيران على موقع عسكري على الحدود السورية الأردنية أودى بحياة سبعة جنود أردنيين، وقد أعلن التنظيم عن مسؤوليته عن الهجوم في خطوة تصعيدية تشير إلى تغيّر نهج التنظيم في التعامل مع الأردن وإعلان حالة الحرب بعد فترة من المراوحة في شبه حرب باردة دون أن يتبنى التنظيم هجمات الذئاب المنفردة ودون أن يتهم الأردن التنظيم رسميا بتنفيذها واعتبارها حوادث فردية معزولة.
في سياق تغيّر استراتيجية التنظيم في التعامل مع جواره القريب وخصوصا الأردن وتركيا لا يزال التنظيم يحاول دفع تركيا إلى تبني سياسة مغايرة للتحالف الدولي، وعلى الرغم من تبنيه عملية الحدود الأردنية إلا أنه لا يزال لا يتبنى عملياته في تركيا، وقد أسفرت الهجمات الانتحارية الثلاث التي هزت مطار «أتاتورك» في 28 حزيران عن مقتل 44 شخصا وإصابة 239 آخرين، وعلى الرغم من أن العملية تحمل بصمات تنظيم الدولة الإسلامية، كما أن القدرة التشغيلية لتنفيذ هجمات منسقة تتوفر لدى التنظيم أكثر من أي جهة أخرى، ومع ذلك لا يزال التنظيم يتحفظ على إعلان مسؤوليته لخلق حالة من الجدل والانقسام داخل تركيا ويبعث برسائل مرعبة حول الكلفة المستقبلية الكبيرة لتحولات السياسة التركية بعودة العلاقات مع روسيا وتطبيع العلاقات مع إسرائيل والارتخاء في التعامل مع مسألة رحيل الأسد ومستقبل سوريا، وإعادة النظر في التعامل مع الأحزاب الكردية السورية.
هجمات تنظبم الدولة طالت في 1 تموز 2016 عاصمة بنغلادش دكا وأسفرت عن مقتل 20 شخصا معظمهم إيطاليون ويابانيون في هجوم شنه مسلحون متشددون على مقهى، وكانت قبل ذلك قد شهدت العاصمة الأندونيسية هجمات منسقة، كما شهدت الفلبين تأسيس ولاية ونفذت عددا من الهجمات، وفي وسط آسيا وشمال القوقاز أنشأ التنظيم ولايات ونفذ مجموعة من الهجمات، مع أن منفذي هجمات أتاتورك من هذه المنطقة.
.أما أوروبا فقد شهدت عدة هجمات من أبرزها هجمات بروكسل في 22 آذار 2016 التي استهدفت المطار ومحطة قطار الأنفاق وأسفرت عن 34 قتيلا على الأقل ونحو مئتي جريح، وكانت هجمات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 هي الأعنف والأكثر تنسيقا عبر سلسلة من الهجمات الدموية المتزامنة في ستة مواقع مختلفة وأسفرت عن مقتل 129 شخصا على الأقل وإصابة قرابة 352.
هكذا فإن تنظيم الدولة الإسلامية ــ داعش بات أكثر خطورة بدمج الأبعاد القتالية، ولعل الخطر الأكبر يكمن في الإصرار على إخراج التنظيم من مناطق سيطرته في الموصل في العراق والرقة في سورية من خلال القوة العسكرية النارية دون وجود حلول سياسية للأزمة العميقة في هذه البلدان ودون وجود استراتيجيات لإعادة التوجيه والدمج لآلاف المقاتلين الأجانب وإعادة تأهيل لآلاف الأطفال، وتوفير الحد الأدنى من الكرامة والعدالة والديمقراطية.