أخر الأخبار
بلير وبوش لن يذهبا الى.. «لاهاي»!
بلير وبوش لن يذهبا الى.. «لاهاي»!

يبدو ان المسألة محسومة, حتى لو بدا أنها أخذت «تتدحرج» في اتجاه «محاولة» محاكمة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الذي حكم لمدة عشر سنوات (1997 – 2007) قبل ان يضطر للاستقالة, بعد ان لم تعد سياسة التبعية المطلقة قابلة للتسويق في المشهد الاميركي الجديد الذي افرزه انتخاب «الديمقراطي» باراك اوباما والذي جاء الى البيت الابيض في اطار شعار انهاء الحروب «العبثية» التي ورط بها سلفه جورج بوش اميركا فيها ,وكانت على رأسها حرب إسقاط الدولة العراقية وبثّ الفوضى في المنطقة, عبر تطبيق «مبدأ بوش» في نشر الديمقراطية وبناء الدول والذي عماده نظرية «الحروب الوقائية والضربات الاستباقية» التي كانت في معنى آخر, عسكرة للعلاقات الدولية واعادة تحديد موازين القوى وبما يتناسب مع نظرية ان القرن الحادي والعشرين هو» قرن اميركي «بامتياز, ما يعني ان واشنطن هي «المُفوَّضة» دون غيرها, استثمار نتائج الحرب الباردة وتصميم نظام دولي جديد بقيادة اميركية منفردة لا دور فيه لاي احد بما في ذلك «الحلفاء» في الناتو, إلاّ بمقدار ما تحتاجه اميركا كي تكرس هيمنتها على القرار الدولي وخدمة الأمن القومي الاميركي والدفاع بلا هوادة عن المصالح الاميركية العليا, التي لا يعرف احد حتى الان طبيعتها ومداها والكيفية التي يتم وِفْقَها... تحديدها, ودائما في مدى انسجامها مع القانون الدولي والقانون الانساني الدولي وشرعة حقوق الانسان وخصوصاً ميثاق الامم المتحدة, الذي تواضعت اسرة الشعوب على ان يكون وحده الناظم للعلاقات في ما بينها، إلاّ ان الامبريالية بجوهرها العدواني القائم على استغلال الشعوب ونهب الثروات وتكريس التبعية والهيمنة، ادارت ظهرها بازدراء لهذا القانون ولم تستخدمه إلاّ اذا انسجم مع مصالحها وخصوصاً في قدرتها على حشد التأييد «العددي» في مجلس الامن لشن حروب او فرض عقوبات او محاصرة دولة او معاقبة رئيس دولة او نظام يرفض الاستخذاء ولا يلتزم الاوامر الاميركية المُهينة والعدوانية.
ما علينا..
تضج وسائل الاعلام والدوائر السياسية ومراكز الابحاث واروقة المنظمات المعنية بحقوق الانسان في نقاشات مفتوحة وصاخبة حول تأثير تقرير لجنة شيلكوت التي ترأسها السير جون شيلكوت, الذي بات التقرير يُسمى باسمه, على دارج العادة التي تُلْحَق بتقارير التحقيقات في الحروب او الفساد او اي امر يستدعي وجود لجنة تحقيق قضائية او برلمانية او شعبية محايدة ذات صلاحيات في الوصول الى الوثائق السرّية او محاضر الجلسات او غيرها (وهذا بالمناسبة, لم يتوفر للجنة شيلكوت, التي خلت ايضا من قُضاة اومحامين ما زاد من هُزالها) مما تستلزمه المهمة المناطة بها كشف النقاب عنها وتحديد المسؤولية اخفاقاً كان ام تجاوزاً وغيرها, مما تحرص الدول الديمقراطية ذات المؤسسات القوية وخصوصاً المُنتَخَبة على عدم السماح لاحد مهما كانت «وظيفته» ان يتجاوزها او يمارس الكذب والاحتيال لتحقيق مآرب سياسية, شخصية او حزبية, تُلْحِق ضرراً بالمصالح الوطنية او القومية.
..وإذ جاء نشر نتائج التقرير بعد سبع سنوات من تشكيل اللجنة في العام 2009, اي بعد ثلاثة عشر عاماً على جريمة الغزو الاميركي البريطاني للعراق, وفي ظل حال الانهيار الكامل للعراق دولة ومؤسسات والفوضى العارمة التي يعيش فيها بِـ»فضل» هذا الغزو الذي تلبّس لبوساً استعمارياً فاضحاً, ولكن من اسف في ظل دعم عربي إن لم يكن مباشراً فإنه كان تشجيعاً اقرب الى التواطؤ والفرح «غير المبرر والساذج» باسقاط النظام العراقي، فإن ما يحدث الان من صخب وسجالات حول المدى الذي يجب ان يذهب اليه «المُتضرِّرون» من قرار الغزو, بعد ان بيّْن التقرير وإن في لغة حمّالة اوجه وغير حاسمة ,بل يمكن القول انها لغة ضبابية ارادت في ثنايا لغة التقرير المُلتبسة عدم تحميل «بريطانيا» الدولة والمؤسسات, مسؤولية جريمة الحرب التي ارتكبت بحق العراق والعراقيين بل والعرب اجمعين، عندما قال «مثلاً» ان بريطانيا «اجتاحت العراق بعد استنفاد كل الفرص السلمية»، ما يعني ان بريطانيا كانت مُحِقة في قرع طبول الحرب, وان لديها الشرعية للذهاب الى حرب ضد بلد لا يهدد مصالحها او امنها، فإن المطالب بمحاكمة توني بلير كمجرم حرب (وبالتالي الرئيس الاميركي السابق جورج بوش) لا تعدو كونها – رغم انها مشروعة ومُحِقة – مجرد «اماني», ليس فقط في ان تقرير شيلكوت لم يَدْعُ الى محاكمة كهذه امام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي, وانما ايضاً لأن مثل هذه المحاكمة لن تتم إلاّ إذا قام مجلس الامن الدولي (وما ادراك ما مجلس الامن) بإحالة المسألة الى المحكمة.
ثم إن الذين يُطالِبون بذلك – وهذا هو الاكثر ايلاماً في هذا المشهد الدولي المشحون بالنفاق وغطرسة القوة وموازين القوى المُختلَّة لصالح المُستعمِرين والقتلة – هو ان العالم يتابع «احزان» اهالي واقارب (179) جندياً بريطانياً (وهم الذين يثيرون «الضجة» ضد كذب بلير ويدعون الى محاكمته) فيما «العرب» سادرون في نومهم, بل في غِيِّهم ويراقبون ببلاهة وفقدان للحِس الوطني والقومي, ما يجري خلف المحيطات, وكأن الأمر لا يعنيهم او هم في افضل الاحوال بانتظار «معجزة» يأتي بها «طرف ما» لاستعادة حق العراقيين ومعاقبة المسؤولين عن عذاباتهم والمآسي المُتدحرِجة التي تلحق بهم.