أخر الأخبار
«اردوغان الرهيب».. والجيش الذي انحنى للعاصفة!
«اردوغان الرهيب».. والجيش الذي انحنى للعاصفة!

قرأتها ، ولم اكملها، وسط هذه الموجة من الفوضى والعنف ، وفي زحام الموت المجاني . استطيع ان اقول لكم أنها صفحات تؤرخ لفصل مريع من التاريخ الروسي وفيها الكثير من الدروس والعبر . أذكرها لأننا ، في كثير من الاوقات العصيبة ، وفي مواجهة الازمات الصعبة ، نضطر لاستحضار التاريخ ، في محاولة لفهم الحاضر .. بطل الحكاية قيصر موسكو وعموم روسيا في القرن السادس عشر واسمه ايفان فاسيلي ايفانوفيتش ( ايفان الرابع ) الذي حمل لقب « ايفان الرهيب « عن جدارة .
اراد القيصر ايفان الرابع بناء دولة قوية وامبراطورية واسعة النفوذ ، ومن اجل تحقيق اهدافه استخدم كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية ، بحيث فقد مشاعره الانسانية ، حتى قاده طموحه الى حالة من الاستبداد المتوحش ، فجمع كل السلطات بيده ، ومارس اشد اساليب التعذيب والبطش ضد معارضيه، واشاع الرعب في نفوس قومه . ولأنه مسكون بالشك والريبة والخوف ، قام بالتخلص من حرّاسه، وشكل فرقة عسكرية خاصة تابعة له، تمنحه الولاء وحده ، ويطيعه افرادها طاعة عمياء . كذلك تخلص من كل المحيطين به والمقربين منه بالحبس او النفي أوالقتل . كان يمارس القتل والتعذيب، وفي آخر النهار يذهب للصلاة ويطلب الغفران .
لم اقرأ القصة كاملة ، ولكنني أعرف أن التاريخ لا ينسى ولا يغفر، خصوصا في المراحل التي ينعدم فيها التسامح ، وتتلاشى الرحمة والمشاعر الانسانية . لم اكمل القراءة لأن الحاضر شدني أكثر، فتابعت نشرة الاخبار حول تطورات ما حدث ويحدث في تركيا عقب محاولة الانقلاب الفاشل . لا نستطيع ان ننكر أن للرئيس اردوغان طموحه وحلمه باقامة دولة قوية وربما امبراطورية واسعة النفوذ ، ونخشى أن يقوده مشروعه الخاص الى مربع الاستبداد ، لأن ما حدث ويحدث في تركيا خطير جدا تجاوز حدود الحلم الخاص والطموح الشخصي .
قد تكون تركيا خرجت من حالة الصدمة، ولكن الخشية أن تكون قد دخلت نفق التفاصيل الغامضة والمستقبل المجهول . ما يحدث في البر التركي هو اختراق وانتهاك للمعايير الدولية وحقوق الانسان . فالعالم ما زال في حالة ذهول لهذا الكم من الاعتقالات والاقالات بين العسكريين والموظفين والقضاة والمدرسين، واغلاق هذا العدد من الجامعات والمدارس والصحف ومحطات التلفزة والاذاعات في وقت قياسي ، بلا محاكمات او تحقيق !!
يتحدث المسؤولون في انقرة عن عملية تطهير واسعة غير مسبوقة ، طالت الجيش ومؤسسات الدولة، في أجواء من الرعب والترهيب والانتقام والاتهام وتصفية الحسابات ، وبشكل ارعب المعارضة وكل مؤسسات الدولة، فاضطر الجميع الى الصمت ومنح الرئيس اردوغان الولاء وحده ، والموافقة على كل قراراته ورغباته ، وأولها اعادة هيكلة الجيش وربطه بالرئيس بدل وزارة الدفاع من اجل تأميم الانقلابات في تركيا..
الحقيقة انني ضحكت اخيرا وكثيرا، عندما صرّح مسؤول تركي ( نائب رئيس الوزراء ) بأن « الديمقراطية في تركيا تمر اليوم بازهى عصورها « ، في الوقت الذي كنا نرى فيه على شاشات الفضائيات عمليات اقتحام لمؤسسات رسمية وبيوت المطلوبين من مدنيين وعسكريين، وكيف تعرض هؤلاء بلباسهم الرسمي للعنف والاذلال، وبينهم ضباط كبار في الجيش برتبة جنرال واميرال . وهي المرة الاولى في تاريخ تركيا الذي يستقوي فيه رجال الشرطة والامن الداخلي على الجيش الذي انحنى امام العاصفة .
اليوم ، كل الانظار تتجه نحو تركيا ، لأن هناك مؤشرات تؤكد أن لدى الرئيس اردوغان نزعة استبدادية، وأنه يسعى الى التخلص من كل معارضيه في الدولة والقطاع الخاص، بعدما ابعد كل المقربين منه وفي مقدمتهم الداعية فتح الله غولن الذي يعتبره الاتراك بانه « معلم اردوغان « ، وهو الذي سانده ودعمه في حملاته الانتخابية قبل اختلافه معه في « العام 2013» ، كما ابعد داود اوغلو والرئيس السابق عبدالله غل ، كي يبقى وحده في الساحة بلا منافس .
لذلك هناك مخاوف من توظيف محاولة الانقلاب لتحقيق اهداف اردوغان الساعية الى جمع السلطات بيده وتعطيل دور مؤسسات الدولة ، كما أن الحزب الحاكم ( العدالة والتنمية ) يريد الانفراد بالسلطة على حساب الاحزاب الاخرى المرعوبة واولها حزب كمال اتاتورك ( حزب الشعب الجمهوري ) الذي سلم اختامه للرئيس « اردوغان الرهيب « ، ووافق على كل قراراته السابقة واللاحقة بحجة أمن وسلامة تركيا .
رغم كل ذلك سيظل ( اردوغان الرهيب ) يعاني من حالة قلق، لأنه يعرف جيدا أن في عقيدة الجيش حقيقة لن تتغير بتغيير قياداته ، هي أن الجيش هو حامي الديمقراطية والعلمانية وحارس الدستور .