أخر الأخبار
هل فكت النصرة ارتباطها بالقاعدة فعلاً؟
هل فكت النصرة ارتباطها بالقاعدة فعلاً؟

لا يبدو أن أحدا يصدق مسألة انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة فعلا ذلك أن العلاقة بين الكيانين تتجاوز المسائل التنظيمية الشكلية وتدخل في سياق شبكة من الروابط الإيديولوجية والتاريخية والشخصية المعقدة فقد تحول تنظيم القاعدة إلى رسالة فكرية قبل أن يكون تنظيما منذ هجمات سبتمبر بحسب زعيم التنظيم الظواهري ولم تعد القاعدة تنظيما مركزيا صارما وأخذت صيغة تنظيمية لا مركزية حيث تتخذ الفروع الإقليمية قراراتها بحسب ظروفها الخاصة.
جاء الإعلان عن فك الارتباط من خلال تسجيل مصور لأبي محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة الفرع السوري للقاعدة في مساء 28 تموز 2016 الذي تحدث عن إلغاء العمل باسم «جبهة النصرة لأهل الشام» وتشكيل كيان جديد يحمل اسم «جبهة فتح الشام»، وقال بـ»أن هذا التشكيل الجديد ليس له علاقة بأي جهة خارجية» ولم يتلفظ بكلمة فك ارتباط، وتشير كلمة الجولاني من الناحية الشكلية والمضمونية إلى أن الإعلان لا يعدو عن كونه حيلة لإعادة تموضع القاعدة في سورية والشام فقد حرص الجولاني على كشف وجهه والظهور بذات المظهر واللباس والسمتات الذي كان يحرص عليه زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن بعمامة بيضاء ولحية كثة وبزة عسكرية ولم يغب سو سلاح الكلاشنكوف الذي سنراه في أشرطة لاحقة.
مسألة لا تعدو اكثر من الإعلان عن كيان جبهة فتح الشام عن كونها بيريسترويكا قاعدية للتكيّف مع تطورات المشهد السوري المعقد، فقد حرص الجولاني على ترسيخ مرجعية القاعدة واستند في تبرير تغيير التسمية على اجتهادات قيادات القاعدة، بل ذهب إلى الاستشهاد بخطابات مؤسس القاعدة أسامة بن لادن واستدعاء صورته من خلال الظهور بذات المظهر والسمت واللباس.،كما حرص الجولاني على الظهور إلى جانب قيادة محلية سورية ويمثلها عبد الرحيم عطون الملقب بـ»أبي عبد الله الشامي»، وأخرى أجنبية عالمية مصرية وممثلها أحمد سلامة مبروك، الملقب، بـ»أبي الفرج المصري» للدلالة على مسألة توافق ما يطلق عليه في الأدبيات الجهادية القاعدية المهاجرين والأنصار.
أما من الناحية المضمنية لإعلان الجولاني وخطابه فقد استشهد بأسامة بن لادن وكرر ذات المضامين القاعدية والمبادئ التأسيسية فبحسب الجولاني يهدف التشكيل الجديد إلى «العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين الناس والعمل على التوحّد مع الفصائل لرصّ صف المجاهدين ولنتمكن من تحرير أرض الشام من حكم الطواغيت والقضاء على النظام وأعوانه» وشدد الجولاني على أن تأسيس المكون الجديد تم بعد استشارة ومباركة قيادة القاعدة.
أحد المؤشرات الواضحة على أن مسألة فك ارتباط النصرة عن القاعدة مجرد تكتيك وعملية تكيّف وخداع كانت جلية من خلال الإصدار الصوتي لنائب الظواهري زعيم القاعدة أحمد حسن أبو الخير صباح 28 تموز 2016 وتضمن كلمة مسجلة الظواهري حيث صدر عن طريق مؤسسة «المنارة البيضاء» التابعة لـجبهة النصرة وليس مؤسسة السحاب التابعة للقاعدة وجاء فيه: «نوجّه قيادة جبهة النصرة الى المضي قدماً بما يحفظ مصلحة الإسلام والمسلمين ويحمي جهاد أهل الشام ونحثهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الأمر»، وقال الظواهري: «إن أخوة الإسلام التي بيننا هي أقوى من كل الروابط التنظيمية الزائلة والمتحولة، وإن وحدتكم واتحادكم وتآلفكم أهم وأعز وأغلى عندنا من أي رابطة تنظيمية».
على الصعيد الدولي لا يأخذ أحد مسالة فك الارتباط على محمل الجد حيث أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن فك ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة وتغيير مسماها لا يغير من كونها لا تزال هدفا للقوات الأميركية والروسية، وقال المتحدث باسم الخارجية جون كيربي إن إعلان جبهة النصرة يمكن أن يكون ببساطة مجرد تغيير للمسميات وإن الولايات المتحدة ستحكم عليها من تصرفاتها وأهدافها وعقيدتها، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست «ما زالت لدينا مخاوف متزايدة من قدرة جبهة النصرة المتنامية على شن عمليات خارجية قد تهدد الولايات المتحدة وأوروبا».
إعلان النصرة عدم وجود علاقات مع أي جهة خارجية يهدف إلى إعادة بناء الحاضنة الاجتماعية الداخلية التي تضررت بسبب ممارسات النصرة وتيسير تشكيل تحالفات مع القوى الجهادية السورية وكسب التعاطف الخارجي ونزع ذريعة استهداف النصرة باعتبارها حركة إرهابية تتبع القاعدة، لكن ذلك لن يغير السلطة المرجعية للكيان الجديد «جبهة فتح الشام» فهي لا تزال تنتمي للفضاء السلفي الجهادي ومفاهيمه المؤسسية كالحاكمية والجاهلية والولاء والبراء والطاغوت والتي تستلزم ضرورة الكفر بما يناقضها من مبادئ الديمقراطية والتعددية والحقوق والحريات والمواطنة.