أخر الأخبار
رزمة “إصلاح” انتخابية تركية
رزمة “إصلاح” انتخابية تركية

 

محمد نورالدين
قياساً إلى حجم التحديات التي تواجهها تركيا، وحجم الإصلاحات التي سبق أن أنجزها حزب العدالة والتنمية في تركيا، فإن رزمة الإصلاحات التي أعلن عنها قبل أيام رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان كانت متواضعة جداً ولا يمكن اعتبارها نقلة نوعية إلى الأمام من أجل أن تكون تركيا أكثر ديمقراطية .
إن السؤال الأساسي الذي يجب أن يطرح ليس ما الذي تضمنته الرزمة الجديدة، بل ما الذي لم تتضمنه من مطالب لمختلف الفئات السياسية والاجتماعية .
لعل الإنجاز الأهم في الرزمة هو السماح بارتداء الحجاب في القطاع العام والمدارس ما خلا المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية . بالطبع هناك حساسيات عسكرية علمانية ضد الحجاب لكن لا يفهم لماذا لم يسمح به أيضاً في القطاع القضائي وهو مؤسسة مدنية . في جميع الأحوال فإن التغيير في بلد متجذر التقاليد لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، وتقاليد ثمانين عاماً لا تشطب أو تعدّل في عشرة أعوام وتحتاج إلى التدرج . وهو ما فعله أردوغان في قضية الحجاب .
لكن قضية الحجاب ليست داهمة وتشكل خطراً على السلم الأهلي . لذا فإن النظر إلى القضايا الأخرى يكتسب أهمية بالغة، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الأقليات العرقية والمذهبية والدينية، وخصوصاً في قضايا الحريات .
جاءت الرزمة التي كان وعد بها أردوغان نتيجة أكثر من عامل . الأول أنها جاءت بعد أحداث ساحة تقسيم وانتفاضة حديقة غيزي في يونيو/ حزيران الماضي التي هزّت بقوة صورة أردوغان الديمقراطي بعد أن واجهت قوى الشرطة المتظاهرين بعنف مفرط والغازات وأدت إلى مقتل خمسة متظاهرين . وقد سعت الرزمة لترميم انكسار هذه الصورة .
والثاني، أنها جاءت بعد تهديدات حزب العمال الكردستاني بوقف عملية الحل للمسألة الكردية إن لم يبادر أردوغان إلى خطوات مهمة لحل المشكلة الكردية بعدما كان مقاتلو "الكردستاني" قد بدأوا الانسحاب من تركيا، وبالتالي محاولة لسحب البساط من أمام تهديدات الكردستاني باسئناف الحرب . والثالث ،وربما الأهم، أنها جاءت قبل أشهر قليلة فقط من الانتخابات البلدية التي ستجري في مارس/ آذار من العام المقبل ومن بعدها الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب وأردوغان مرشح محتمل وقوي لها، والانتخابات النيابية في يونيو/ حزيران من العام 2015 وسعي أردوغان للفوز بها وبنتائج ساحقة . وبذلك سعى أردوغان إلى إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد .
غير أن الرزمة في الواقع لم تستجب لمتطلبات الواقع ومطالب الفئات الأساسية من المجتمع، ولعل الأكثر إثارة أن تقرير منظمة العفو الدولية عن أحداث تقسيم/ غيزي صدر بعد يومين فقط على إعلان أردوغان لرزمته وفيه انتقاد قوي جداً لسلوك أردوغان مع قضايا الحريات والديمقراطية في ما يبدو أنه رد على تجاهل الرزمة لأي تعديلات تعزز الحريات ولا سيما التظاهر .
لقد جاءت "التقديمات" للأكراد هامشية جداً ولا تلبي أياً من مطالبهم الأساسية وهي التعلم باللغة الأم في المدارس الرسمية التي تشكل 99 في المئة من المدارس في تركيا، فيما الرزمة تلحظ التعلم باللغة الأم فقط في المدارس الخاصة . ولم تشر الرزمة إلى الحكم الذاتي ولا إلى إطلاق سراح عشرة آلاف معتقل كردي ولا إلى وضع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المعتقل منذ العام 1999 ولا إلى مطلب تخفيض نسبة الدخول إلى البرلمان من عشرة إلى خمسة أو حتى إلغائها نهائياً . وهذا بالطبع أدى إلى بيان من الحزب يعلن فيه أن رزمة أردوغان أنهت العملية السياسية لحل المشكلة الكردية، فيما قال نواب أكراد في البرلمان إن الرزمة ليست للإصلاح بل لكسب الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة وتأبيد سلطة حزب العدالة والتنمية .
ولم تتطرق الرزمة إلى مطالب العلويين الأساسية ومنها الاعتراف رسمياً بمراكز عبادتهم وإلغاء درس الدين الإجباري من المدارس .
ولم تستجب الرزمة إلى مطلب مسيحي، وغربي، أساسي وهو إعادة افتتاح مدرسة الرهبان في "هايبلي أضه" قرب اسطنبول .
ولكن الأهم في طبيعة الرزمة التي أعلنها أردوغان أنها تأتي وسط تحديات أمنية واجتماعية ومخاطر جدية في انعكاس التداعيات السورية على الداخل التركي، خصوصاً بعد تصاعد المعارك على الحدود التركية بين مسلحي المعارضة السورية المؤيدين لجبهة النصرة والمؤيدين للجيش السوري الحر . بمعنى أن رزمة الإصلاح كان يفترض بها أن تطمئن فئات واسعة من المجتمع التركي لتحقق الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي فجاءت خالية من هذه التطمينات .
وإذا كان من عنوان أو توصيف لرزمة أردوغان الجديدة فهو أن تركيا باتت في ظل حزب العدالة والتنمية بلداً أضاع بوصلة التقدم على طريق الحداثة وباتت تشغل قياداته التطورات في بلد أجنبي وبعيد مثل مصر، والتدخل في شؤونها وإعطائها الدروس في الديمقراطية أكثر من انشغاله بكيفية تعزيز الديمقراطية في الداخل وحماية البلد من المخاطر التي تتهدده على الحدود . وهذا يعكس نوعاً من الترهل الفكري لحزب العدالة والتنمية ولقيادته السياسية بعد 11 سنة من السلطة انقلبت في نهايتها تركيا إلى بلد معزول سياسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومهدد داخلياً في وحدته الجغرافية ولحمته الاجتماعية غير مستشعر بخطورة الظروف المحيقة والداهمة .
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية

محمد نورالدين
قياساً إلى حجم التحديات التي تواجهها تركيا، وحجم الإصلاحات التي سبق أن أنجزها حزب العدالة والتنمية في تركيا، فإن رزمة الإصلاحات التي أعلن عنها قبل أيام رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان كانت متواضعة جداً ولا يمكن اعتبارها نقلة نوعية إلى الأمام من أجل أن تكون تركيا أكثر ديمقراطية .
إن السؤال الأساسي الذي يجب أن يطرح ليس ما الذي تضمنته الرزمة الجديدة، بل ما الذي لم تتضمنه من مطالب لمختلف الفئات السياسية والاجتماعية .
لعل الإنجاز الأهم في الرزمة هو السماح بارتداء الحجاب في القطاع العام والمدارس ما خلا المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية . بالطبع هناك حساسيات عسكرية علمانية ضد الحجاب لكن لا يفهم لماذا لم يسمح به أيضاً في القطاع القضائي وهو مؤسسة مدنية . في جميع الأحوال فإن التغيير في بلد متجذر التقاليد لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، وتقاليد ثمانين عاماً لا تشطب أو تعدّل في عشرة أعوام وتحتاج إلى التدرج . وهو ما فعله أردوغان في قضية الحجاب .
لكن قضية الحجاب ليست داهمة وتشكل خطراً على السلم الأهلي . لذا فإن النظر إلى القضايا الأخرى يكتسب أهمية بالغة، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الأقليات العرقية والمذهبية والدينية، وخصوصاً في قضايا الحريات .
جاءت الرزمة التي كان وعد بها أردوغان نتيجة أكثر من عامل . الأول أنها جاءت بعد أحداث ساحة تقسيم وانتفاضة حديقة غيزي في يونيو/ حزيران الماضي التي هزّت بقوة صورة أردوغان الديمقراطي بعد أن واجهت قوى الشرطة المتظاهرين بعنف مفرط والغازات وأدت إلى مقتل خمسة متظاهرين . وقد سعت الرزمة لترميم انكسار هذه الصورة .
والثاني، أنها جاءت بعد تهديدات حزب العمال الكردستاني بوقف عملية الحل للمسألة الكردية إن لم يبادر أردوغان إلى خطوات مهمة لحل المشكلة الكردية بعدما كان مقاتلو "الكردستاني" قد بدأوا الانسحاب من تركيا، وبالتالي محاولة لسحب البساط من أمام تهديدات الكردستاني باسئناف الحرب . والثالث ،وربما الأهم، أنها جاءت قبل أشهر قليلة فقط من الانتخابات البلدية التي ستجري في مارس/ آذار من العام المقبل ومن بعدها الانتخابات الرئاسية في أغسطس/ آب وأردوغان مرشح محتمل وقوي لها، والانتخابات النيابية في يونيو/ حزيران من العام 2015 وسعي أردوغان للفوز بها وبنتائج ساحقة . وبذلك سعى أردوغان إلى إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد .
غير أن الرزمة في الواقع لم تستجب لمتطلبات الواقع ومطالب الفئات الأساسية من المجتمع، ولعل الأكثر إثارة أن تقرير منظمة العفو الدولية عن أحداث تقسيم/ غيزي صدر بعد يومين فقط على إعلان أردوغان لرزمته وفيه انتقاد قوي جداً لسلوك أردوغان مع قضايا الحريات والديمقراطية في ما يبدو أنه رد على تجاهل الرزمة لأي تعديلات تعزز الحريات ولا سيما التظاهر .
لقد جاءت "التقديمات" للأكراد هامشية جداً ولا تلبي أياً من مطالبهم الأساسية وهي التعلم باللغة الأم في المدارس الرسمية التي تشكل 99 في المئة من المدارس في تركيا، فيما الرزمة تلحظ التعلم باللغة الأم فقط في المدارس الخاصة . ولم تشر الرزمة إلى الحكم الذاتي ولا إلى إطلاق سراح عشرة آلاف معتقل كردي ولا إلى وضع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المعتقل منذ العام 1999 ولا إلى مطلب تخفيض نسبة الدخول إلى البرلمان من عشرة إلى خمسة أو حتى إلغائها نهائياً . وهذا بالطبع أدى إلى بيان من الحزب يعلن فيه أن رزمة أردوغان أنهت العملية السياسية لحل المشكلة الكردية، فيما قال نواب أكراد في البرلمان إن الرزمة ليست للإصلاح بل لكسب الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة وتأبيد سلطة حزب العدالة والتنمية .
ولم تتطرق الرزمة إلى مطالب العلويين الأساسية ومنها الاعتراف رسمياً بمراكز عبادتهم وإلغاء درس الدين الإجباري من المدارس .
ولم تستجب الرزمة إلى مطلب مسيحي، وغربي، أساسي وهو إعادة افتتاح مدرسة الرهبان في "هايبلي أضه" قرب اسطنبول .
ولكن الأهم في طبيعة الرزمة التي أعلنها أردوغان أنها تأتي وسط تحديات أمنية واجتماعية ومخاطر جدية في انعكاس التداعيات السورية على الداخل التركي، خصوصاً بعد تصاعد المعارك على الحدود التركية بين مسلحي المعارضة السورية المؤيدين لجبهة النصرة والمؤيدين للجيش السوري الحر . بمعنى أن رزمة الإصلاح كان يفترض بها أن تطمئن فئات واسعة من المجتمع التركي لتحقق الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي فجاءت خالية من هذه التطمينات .
وإذا كان من عنوان أو توصيف لرزمة أردوغان الجديدة فهو أن تركيا باتت في ظل حزب العدالة والتنمية بلداً أضاع بوصلة التقدم على طريق الحداثة وباتت تشغل قياداته التطورات في بلد أجنبي وبعيد مثل مصر، والتدخل في شؤونها وإعطائها الدروس في الديمقراطية أكثر من انشغاله بكيفية تعزيز الديمقراطية في الداخل وحماية البلد من المخاطر التي تتهدده على الحدود . وهذا يعكس نوعاً من الترهل الفكري لحزب العدالة والتنمية ولقيادته السياسية بعد 11 سنة من السلطة انقلبت في نهايتها تركيا إلى بلد معزول سياسياً على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومهدد داخلياً في وحدته الجغرافية ولحمته الاجتماعية غير مستشعر بخطورة الظروف المحيقة والداهمة .
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية