أخر الأخبار
أردوغان في موسكو دلالات ومعاني
أردوغان في موسكو دلالات ومعاني

واضح بان الرئيس التركي أردوغان يعيد تموضع وتطبيع علاقاته مع دول الجوار بشكل يأخذ منعطفاً حاداً، دون ان يصل ذلك الى حد الإنقلاب الجذري والإستدارة الكلية، وتخلي أردوغان عن سياساته ومواقفه السابقه، وخاصة فيما يختص ويتصل بالأزمة السورية، فأردوغان وفق الدور الموكل له في المشروع والمخطط الأمريكي - الإستعماري الغربي، الصهيوني للمنطقة العربية، كان لاعباً رئيسياً في هذا المشروع لجهة دعم وتمويل وتسليح ومرور وتحرك واحتضان الجماعات الإرهابية من "داعش" و"النصرة" وغيرها من التشكيلات والمجاميع الإرهابية، ناهيك عن إدخال وضخ الإحتياط البشري الإرهابي لداخل الأراضي السورية، وأردوغان لا يقوم بتلك المهام خدمة مجانية للمشروع الأمريكي في المنطقة، فهو كان يريد أن تقف امريكا ودول اوروبا الغربية الى جانبه في قضية فرض مناطق حظر جوي على شمال سوريا، تحت حجج وذرائع حماية اللاجئين السورين وحماية الأقليات الأثنية من العرب التركمان وغيرهم، وليس هذا فحسب، بل كان لديه طموح عال بان يقتطع جزء من الجغرافيا السورية وبالذات الشمال السوري، وأردوغان إنتفاعه من تلك الجماعات الإرهابية، لم يقتصر على ذلك، بل كان يشارك "داعش" في سرقة وتهريب النفط السوري، وكذلك نهب وسرقة مصانع حلب، وأردوغان وقف مع السعودية ودول الخليج الأخرى بعناد ضد أي حل سياسي للأزمة السورية لا يتضمن رحيل الأسد، بل كان البوق الأساسي لهذا الموقف المتشدد. التطورات التي حصلت ما بعد خريف 2015، وبالتحديد بعد إسقاط المقاتلات التركية لطائرة السوخوي الروسية، والتي ادخلت تركيا في ازمة وورطة مع روسيا، حيث رفض أردوغان بتشجيع من واشنطن الإعتذار لروسيا عن إسقاط الطائرة الروسية، ولتكن ردة الفعل الروسية بفرض سلسلة من العقوبات الإقتصادية والتجارية والسياحية والتهديد بوقف خط النفط الروسي المار بالأراضي التركية "السيل التركي"، تلك العقوبات التي أصابت الإقتصاد التركي في عصبه الرئيسي، حيث حجم التبادل التجاري بين البلدين يصل الى مئة مليار دولار سنوياً، والسياحة الروسية لتركيا شكلت وتشكل مصدر دخل كبير للإقتصاد التركي وتشغيل الأيدي العاملة. بدا واضحاً بان الخلاف الأمريكي- التركي من الأزمة والمسألة السورية يتصاعد، حيث امريكا كانت تريد ان يشارك الأكراد كمعارضة سوريه في مفاوضات جنيف، وليس هذا فحسب، فأردوغان وجد بأن امريكا لا تأبه لمصالح أردوغان من قريب او بعيد، بل يجري إستخدامه خدمة للمشروع والمصالح الأمريكية، فأمريكا تدعم ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية والتي يشكل الأكراد عمودها الفقري، وبالتالي كان أردوغان يتخوف بان تعمل امريكا وتؤيد إقامة كيان كردي على طول الحدود السورية – العراقية، وفي عمق الأراضي التركية، وهذا يؤثر على امن وإستقرار تركيا ووحدة أراضيها، ومن هنا بدات تختمر عوامل الإستدارة في الموقف التركي من العلاقة مع دول الجوار وما يتصل بموقفها من الأزمة السورية على وجه التحديد، وكذلك الإحباط التركي الكبير من امكانية الإنضمام للإتحاد الأوروبي، ومن هنا وجدنا أردوغان يعيد علاقاته الى سابق عهدها مع "اسرائيل" ما قبل ازمة سفينة "مرمرة" التركية، لتحقيق مصالح امنية وإقتصادية مشتركة، وكذلك بدأ بتطبيع العلاقة مع روسيا، بالإعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية، ودفع تعويضات عن إسقاطها وحتى محاكمة من قاموا بإسقاطها، ووجدنا بعد الإنقلاب حديثاً تركياً عن من أسقطوها، هم من انصار الزعيم التركي فتح الله غولن الموجود في امريكا، وكان هدفهم توريط تركيا مع روسيا، بغض النظر عن هذا الحديث، التطورات المتلاحقة التي حدثت في تركيا، كانت عوامل حاسمة في رسم أردوغان لسياسته ومواقفه من جديد في الداخل التركي والعلاقات مع دول الجوار والإقليم والعالم، حيث كان الإنقلاب الذي قامت به مجموعة من الجيش على أردوغان، هذا الإنقلاب الذي فشل، دفع بأدروغان الى القيام بحملة تطهير و"غربلة" وإعادة هيكلة فيما يخص الجيش والإعلام والتربية والقضاء، والحجة والذريعة هنا مطاردة انصار الزعيم التركي فتح الله غولن المتهم بتدبير الإنقلاب، هذا الإنقلاب الذي كشف وفتح عيون أردوغان على حقائق جديدة، بان امريكا ليست حليف موثوق لأردوغان، فهي التي تدعي الديمقراطية، وقفت الى جانب الإنقلابيين وكذلك هي السعودية التي تتشارك معها في المواقف والرؤيا من الأزمة السورية، كانت في صف الإنقلابيين، في حين الدول التي كانت تستعديها وتقف ضدها فيما يتصل بالأزمة السورية والقضايا الإقليمية والدولية، من روسيا الى ايران وحتى سوريا، وقفت ضد الإنقلاب، وقالت بان حل الخلافات والمشاكل يكون في إطار الدستور. أردوغان يخرج في اول زيارته له للخارج، وهو يدرك حجم المخاطر المحدقة بسلطته وزعامته، فما زالت التخوفات كبيرة وقائمة من حدوث إنقلاب آخر، رغم حالة الطوارىء المعلنة في البلاد وعمليات الملاحقة والتطهير، ولكن البلاد يسودها حالة من عدم الإستقرار الأمني والسياسي، ، وزيارته لروسيا كاول محطه له بعد الإنقلاب مفصلية وتاريخية وعلى درجة كبيرة من الأهمية، وكما هي مهمة هذه الزيارة لأردوغان، فهي مهمة كذلك لروسيا، حيث امكانية الاستفادة الروسية من سوء العلاقة بين اردوغان والأميركيين احد ابرز عناصر المرحلة الجديدة المتعلقة بالأزمة السورية. وهذا ما يفسّر بشكل أوضح مسألة عزم اردوغان على ترك البلاد في مثل هذه الأوقات. فاللقاء بالرئيس الروسي بوتين والذي وصفه أردوغان بصديقه على قدر بالغ من الأهمية يحمل في طياته ضمان مستقبل أردوغان من جهة ومستقبل الأزمة السورية من جهة أخرى، وما يمكن للطرفين ان يؤسسا في لحظة تحوّل جدّي نحو المفاوضات. زيارة أردوغان لروسيا تحمل اكثر من بعد ومعانى، فهي تقول بشكل واضح للأمريكان بان أردوغان، ما قبل الإنقلاب ليس بأردوغان ما بعده، وانه لا ثقة بالأمريكان لا على صعيد المواقف ولا السياسات، وأيضاً فهو يسعى لترميم العلاقات مع روسيا على الصعيد الإقتصادي، والتفاهم السياسي مع روسيا قد يمهد لتقدم جدي