أخر الأخبار
اليمن: هل بات الحل «السلمي» أكثر صعوبة؟
اليمن: هل بات الحل «السلمي» أكثر صعوبة؟

فيما تحتدم المعارك على جبهة مدينة تعز، التي تُحكِم قوات التحالف الثنائي انصار الله وكتائب المؤتمر الشعبي العام, قبضتها عليها منذ مدة طويلة، وورود انباء عن «نجاح» قوات هادي ومَنْ يدعمها في فك الحصار عن تلك المدينة بعد سيطرتها على «جبل الهان» على ما نقلت انباء غير مؤكدة، وفيما بدا واضحاً للمتابعين مسار المعارك في ذلك البلد الذي تم أخذه عنوة الى مربع الدمار والخراب والفوضى، لأسباب غير مقنعة وكان بمقدور اطرافها الداخلية والخارجية الحؤول دون سقوط اليمن في دائرة العنف والاقتتال وإدخاله في معادلة الصراع الاقليمي.
في خضم ذلك كله يبدو ان «الخطة ب» التي اعتمدها الحوثيون وعلي عبدالله صالح، قد باتت الان قيد التنفيذ، بعد ان تم اشهار المجلس السياسي الاعلى، ما يعني حلّ اللجنة الثورية التي تولت ادارة البلاد اثر فرار هادي, الى أن انتهت مشاورات الكويت الماراثونية الصعبة والطويلة, والتي كانت بوادر الفشل واضحة على جلساتها وكادت تنتهي بعد اسبوع من بدايتها غير ان الجهود المكثفة التي بذلتها الدولة المضيفة الكويت في شخص اميرها، نجحت في «تمديد» هذه المفاوضات, لكنها لم تحقق اختراقاً يُذكَر, لان الطرفين تمترسا عند مواقفهما المُعلنة وخصوصاً فريق الرئيس الذي ما يزال يصف نفسه بالشرعي، باشتراطه تنفيذ الطرف الآخر القرار 2216 وتسليم السلاح والانسحاب من المدن وغيرها من الشروط التي فشل طوال عامين تقريباً في تحقيقها بالسلاح, ويريد ان يحققها على طاولة المفاوضات بلا ثمن سياسي او توافق وطني شامل.
من هنا تبدو خطوة اعلان المجلس السياسي الاعلى وتسليم «صالح الصمّاد» مقاليد الحكم ومفاتيح القصر الجمهوري, خطوة اقرب الى طي صفحة المشاورات والبدء بتطبيق الخطة «ب» والتي تنهض على فرض حقائق ميدانية وسياسية, وتعميقاً للتحالف بين الطرفين الحوثي والصالحي، وادارة الظهر للمفاوضات وربما انهاء مهمة المبعوث الدولي ولد الشيخ احمد, الذي يتعرض لنيران النقد اللاذع من الطرفين وتحميله مسؤولية انهيار المفاوضات لانه – في نظرهما – غير محايد، على نحو بدا الرجل وكأنه بالفعل» كيس ملاكمة» لهما وشماعة يعلقان عليها فشلهما في النزول عن «الشجر» العالي الذي تسلقوه, ويبدو انهم لا يملكون القدرة او الارادة وخصوصاً الرغبة في النزول عنه، اعتقاداً منهما ان «الزمن» يقف الى جانبهما وان المسألة لا تعدو كونها مجرد «صبر ساعة» ورهاناً على من يصرخ أولاً.
وإذ بدا موقف مجموعة سفراء الدول الـ «18» التي تدعم محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة, منحازاً بوضوح الى جانب هادي الذي يصفون حكومته بالشرعية وهو ما ظهر جلياً في البيان الذي نشرته صفحة السفارة الاميركية على فيسبوك, مُندّدة بالاجراءات التي اتخذتها عناصر المؤتمر الشعبي العام والحوثيون ومؤيدوهم، معتبرة تلك الاجراءات سبباً في جعل البحث عن حل سلمي «اكثر صعوبة», ومؤكدة ان الاجراءات هذه غير دستورية وأحادية الجانب من قبل «صنعاء» ولا تفيد سوى المزيد من الانقسامات في اليمن، فإن مظاهرة يوم السبت الماضي «المليونية» التي تم تنظيمها في صنعاء وما ورد في خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصمّاد من تهديدات ورسائل, وخصوصاً في اعلانه عن تشكيل «حكومة» خلال أيام، يأخذ اليمن الى مرحلة جديدة قد تكون اكثر خطورة على الصعيد العسكري والمعاناة المتزايدة لجموع الشعب اليمني, الذي بات على حافة المجاعة وفقدان كل أمل في ادخال مساعدات غذائية او طبية او التفات من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والانسانية بعد ان انسحبت بعثة أطباء بلا حدود من صنعاء جراء قصف تعرضت له احدى المشافي السِت التي تديرها.
وبصرف النظر عن رأي الرئيس هادي الذي بدا مرتبكاً ويائساً بعد الاعلان عن قيام المجلس السياسي الأعلى, معتبراً اياه خطوة «من شريكي الانقلاب لمحاولة نقل التجربة الايرانية الى اليمن»، فإن المشهد الآن بات يستدعي وقفة جادة مع الذات واجراء مراجعة حقيقية للمواقف والمقاربات واعادة النظر في جدول اعمال المفاوضات وضرورة تخلي الطرفين عن شروطهما التي تبدو – بل هي كذلك – تعجيزية وغير قابلة للتنفيذ، وعلى وجه الخصوص تلك التي يتبناها وفد هادي الذي ما يزال بعد حتى اللحظة – بما في ذلك مجموعة سفراء الدول الـ 18 – على إلزام انصار الله تنفيذ الشروط «تلك»,وكأن موازين القوى على الأرض وما طرأ من تحولات على معادلة التحالفات والاصطفافات والمتغيرات التي لا تتوقف عن فرض استحقاقاتها على اليمن – والاقليم ايضاً – هي ذاتها التي كانت عند بداية الأزمة او مباشرة بعد قيام التحالف العربي وبدء غاراته وعملياته في اليمن، مثل تنفيذ المبادرة الخليجية وآلياتها التطبيقية, ومُخرجات الحوار الوطني الشامل والقرارات الأممية وآخرها القرار 2216. مع اهمال مقصود من قِبل فريق هادي لما كان تم التوصل اليه واعلنه المبعوث الدولي او جرى تسريبه عمداً, وخصوصاً تلك التوافقات حول تعيين رئيس جديد وتشكيل حكومة وحدة وطنية وغيرها مما لا يرد في معظمها ذكر ما «يشترطه» فريق هادي هذه الايام.
اليمن غارق في الفوضى, وكل الاطراف تبدو مُستنزَفة ومُكبّلة, ولا خيار سوى اليمنيين يديرون خلافاتهم بأنفسهم, بعيدا عن الوصاية والإملاءات.