رام الله- الكاشف نيوز:يشغل موضوع اختيار نائب للرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الكثير من الفلسطينيين والعرب والإسرائيليين، وربما حتى جهات غربية محددة، فيما لا يبدو أنه يشغل الرئيس الفلسطيني نفسه، الذي ترك الأمر ذات مرة للقيادات الفلسطينية في اجتماعات مختلفة للاتفاق على اسم محدد، دون أن ينجحوا في ذلك، أو يتابع هو الأمر بشكل حثيث.
وعلى الرغم من أن قيادات في «فتح» والمنظمة طرحوا على مدار الأعوام القليلة الماضية أهمية اختيار نائب للرئيس تجنبا للمفاجآت المحتملة، وأي فوضى متوقعة، إلا أن أي خطوة جدية لم تتخذ لاستحداث مثل هذا المنصب بسبب أبعاد «أخلاقية»، لها علاقة بوراثة عباس الذي يتمتع بصحة جيدة، وأبعاد «قانونية» باعتبار أن الدستور الأساسي للسلطة لا يتضمن منصبا لنائب الرئيس، وهناك أيضا أبعاد «سياسية» معقدة، على اعتبار أن الأمر ليس حكرا على حركة فتح وحسب، وإنما بقية الفلسطينيين كلهم، وكما يعتقد كثيرون فهناك أيادٍ أخرى في المنطقة وخارجها.
وقال مصدر فلسطيني في حركة فتح التي يتزعمها عباس لـ«الشرق الأوسط» اللندنية، إن «المسألة ليست مطروحة على عجل.. فالرئيس يسعى الآن لترتيب البيت الداخلي عبر عقد المؤتمر السابع للحركة نهاية هذا العام، وذلك لاختيار رئيس للحركة ونائبه، وأعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري، يتلوه عقد المجلس الوطني الفلسطيني لاختيار لجنة تنفيذية جديدة».
وتابع المصدر موضحا «وبحسب كيف تجري الانتخابات سيتم تحديد قضايا كثيرة من بينها منصب نائب الرئيس.. واستحداث المنصب يحتاج إلى تعديلات في القانون الأساسي. وهذا رهن بانعقاد المجلس التشريعي، لكن كونه معطلا فإن المجلس المركزي سيكون صاحب القرار».
وفي مرات سابقة وفي قضايا مفصلية، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير تمديد ولاية أبو مازن نفسه، إضافة إلى ولاية التشريعي، باعتبار المنظمة مرجعية السلطة برمتها.
لكن هذا السيناريو المتوقع يلاقي منذ الآن معارضة كبيرة من حركة حماس. وفي هذا السياق قال نايف الرجوب، النائب في حركة حماس، إن الرئيس الفلسطيني المقبل بعد رحيل محمود عباس هو عزيز الدويك بصفته رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، كما نص عليه القانون في السلطة الفلسطينية.
وحذر القيادي في حركة حماس من مخطط «فتحاوي» لتعيين نائب للرئيس عباس، معتبرا استحداث هذا المنصب دون عرضه على التشريعي والتصويت عليه بثلثي الأعضاء، تجاوزا خطيرا لا يتوافق مع القانون الفلسطيني، ولا يمكن القبول به. وينص القانون الأساسي على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة الفلسطينية لمدة 60 يوما إلى حين إجراء انتخابات رئاسية في حال شغور كرسي الرئاسية لأي سبب طارئ. لكن «فتح» لا تعترف بدويك الآن رئيسا للمجلس التشريعي، وتعد ولايته منتهية، وتقول إنه يجب عقد المجلس التشريعي بقرار رئاسي، ومن ثم يتم انتخاب رئاسة المجلس خلال الجلسة الأولى.
وهذا الخلاف القانوني جزء من خلافات أخرى أوسع بين حماس وفتح تمنع حتى إجراء انتخابات عامة. وقبل أعوام قليلة فشلت لجنة قانونية شكَّلها الرئيس عباس في الوصول إلى خلاصة حول إمكانية استحداث منصب نائب للرئيس بسبب التعقيدات القانونية والسياسية. ويرى مراقبون أن اختيار نائب الرئيس داخل حركة فتح في الانتخابات المقبلة وأمين سر منظمة التحرير سيحدد إلى حد بعيد الاسم المقترح الذي يؤمن به عباس لخلافته.
وتبدو هذه معركة ثانية صعبة داخل الحركة التي تحكم الشأن الفلسطيني منذ عقود طويلة. فبعض قادة فتح يرون أنهم الأجدر لخلافة عباس، ويمثلون جميعا مواقع متقدمة ولهم اتباع، ويبدو من الصعب أن يتنازل أحدهم للآخر من دون حسم يسعى له عباس عبر المؤتمر السابع. وحتى الآن طرحت أسماء مختلفة، بعضها جاء من جهات عربية، مثل محمد دحلان القيادي المفصول من فتح، وناصر القدوة عضو اللجنة المركزية للحركة، لكن هذه الاقتراحات لم تلق قبولا عند أبو مازن. فيما يحاول دحلان الآن جمع أنصاره في مؤتمر مستقل يجري في القاهرة، وصفته فتح بأنه غير شرعي وغير ملزم. وسيكون هذا المؤتمر بداية مواجهة أوسع بين عباس ودحلان.
كما ظهرت أسماء أخرى، من بينها عضو مركزية فتح المعتقل في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، ومسؤول المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، وعضو اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب، وأمين سر منظمة التحرير صائب عريقات، وعضو اللجنة التنفيذية أبو علاء قريع، وكلها خيارات محتملة.
وبهذا الخصوص قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل: «ليس الفلسطينيون وحدهم هم الذين يقررون. فالقضية الفلسطينية بلسان أصحابها نقول إنها قضية العرب المركزية الأولى. هناك عمق عربي إسلامي إنساني. وهذا القول ينطوي على تفاعل بين القضية وهذه الأطراف إيجابا وسلبا، ويعني بالضرورة تدخلات عربية مبررة».
وأضاف عوكل موضحا «العرب شركاء بهذا المعنى، وإذا كانوا شركاء فلا بد أن تكون لهم وجهة نظر. فهم لديهم أولوياتهم ومخاوفهم، ويحق لهم أن يفكروا بهذه المخاوف، وبالإضافة إلى ذلك توجد إسرائيل، دولة الاحتلال، والجيب الإسرائيلي يصل إلى المقاطعة (مقر الرئيس) وقتما يشاء، فكيف لا يتدخلون؟ كما يوجد أيضا المانحون الذين يضخون الدم في عروق السلطة. فهل يمكن أن يكون دورهم غائبا؟».
ويرى عوكل أن أي اسم مقترح لمنصب الرئيس المقبل، يجب أن يكون مقبولا عند الأطراف العربية وإسرائيل والدول المانحة، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة. ولذلك يستبعد عوكل أن يكون عزيز الدويك حتى لو كان فعلا رئيسا للمجلس التشريعي خيارا ممكنا، وقال بهذا الخصوص: «حماس تفهم ذلك. والكل له مصلحة بأن تبقى السلطة وأن لا تحصل الفوضى.
(حماس) حريصة على عدم وجود فراغ، وليس لها مصلحة في الفوضى، وهي تدرك أنها لا يمكن أن تحكم في الضفة الغربية في ظل الاحتلال، ومن هذا المنطلق إمكانية الاتفاق على شخص هي ممكنة وإن كان بشكل مؤقت».
وفي هذا السياق قال عوكل: «الأكيد أنه سيكون عضو لجنة مركزية وعضوا في تنفيذية المنظمة، وهذا ما ستكشفه الانتخابات المقبلة التي تجري وفق ترتيبات لها علاقة بمرحلة جديدة، فتح أولا ثم منظمة التحرير. وإلا كيف سيكون الرئيس المقبل رئيس فتح ورئيس منظمة التحرير