أخر الأخبار
تناقض قرارات البائد عباس : مصالح أم خلل عقلي ؟
تناقض قرارات البائد عباس : مصالح أم خلل عقلي ؟

كتب محمد رشيد : 

بعض الأصدقاء قالوا أن مقالي الأخير أثار جدلا فلسطينا ، في حقيقة الأمر أنا لا أفترض ذلك بل العكس تماماً ، فقد كتبت " عباس جثة سياسية تنتظر الدفن " من حيثيات و يوميات الجدل الفلسطيني ، و هو جدل مستحق منذ عام 2010، و إن كان قد تأخر كثيرا بفعل استعانة عباس بالتنسيق الأمني مع إسرائيل من جهة ، و بالتدخل العربي من جهة أخرى عبر استصدار قرار من جامعة الدول العربية عين بموجبه " رئيسا" منذ تاريخه و حتى الآن .

لقد عشت و عايشت العمل الفلسطيني قرابة أربعة عقود ، و لم ار أو ألمس مثل هذا العزوف الشعبي عن المشاركة في صياغة المشهد السياسي ، عزوف يرجعه البعض للإحباط العام ، و آخرون يقولون إنه ناتج عن انشغال الناس بهموم الحياة اليومية ، و ربما يكون من بين الأسباب شيء من هذا وشيء  من ذاك ، لكني مؤمن بأنه عزوف اختياري ، بدا  بفقدان الأمل في محمود عباس ، ثم تحول إلى احتقار الصيغة الأمنية المسيطرة و المتزاوجة مع المصالح  الشخصية لعباس وأسرته وعصبته ، لكن ما يتضح يوما بعد يوم أن الجموع بدأت تنفض عن نفسها غبار السنوات العشر الماضية ، و تسمع صوتها لمن يهمه الأمر ، بالتالي لا أتوقع قبول الفلسطينيين بصياغة مرحلة ما بعد عباس من قبل تل أبيب و واشنطن كما حدث سابقا بتنصيب عباس رئيسا بعد قتل أبو عمار بدم بارد و على مرأى من عباس و تواطئه .
تأكيد إعلان موت عباس سياسيا لا يحتاج إلى تقرير طبي ، بقدر ما يحتاج إلى " إذن دفن " يصدره الشعب بعد سنوات من الاحتقار المتبادل مع عباس ، فهذه المرحلة قد ماتت ميتة مشركي قريش في معركة بدر ، و لن يجد عباس من يبكيه ، و لن يجد لنفسه مكانا لائقا في الذاكرة الشعبية ، أما هو " عباس " العالق في شباك التعفن و الخوف و الفساد فيعلم ذلك علم اليقين  و سيظل أسير دائرة الشك و الإحباط و التخبط ، متقلبا في قراراته و قراراته المضادة ، متشككا في كل ما يحيط به ، و بكل من يحيط به .

أقدم هنا بعضا من نماذج من التخبط السياسي و الإداري و القرارات المتناقضة ، و هي جميعها أو في معظمها نماذج عاشها و عرفها الشعب بالمفرق ، أما فكرة إجمال بعضها هنا ، فهي لتمكين الناس من إلقاء نظرة على لوحة الضياع و التخبط بكامل زواياها ، و كذلك لإلقاء الضوء على دوافع عباس في قراراته المتهورة ، ثم الارتداد عنها بتهور أكبر و خارج أية رقابة تشريعية أو سياسية ، فلقد اعتاد عباس أن يقرر ، ثم ينقلب من النقيض إلى النقيض دون أي وازع قانوني أو أخلاقي ، مكتفيا بتحميل المسؤولية و الخطأ لمن هم حوله دون أن يحدد أسمائهم .

مثلا :
- عباس قرر طلب اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين عضوا مراقبا ، ثم غير رأيه فذهب إلى مجلس الأمن الدولي ، ليعود بعد عام إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، و هو يقول إن ما فعله لم ينتج عن ضغوط دبلوماسية أمريكية ، و إن صدقناه فذلك يعني أن عباس يعاني خللا ما لا يريد الاعتراف به !
- عباس قرر عام 2015 عقد دورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني ، ثم حولها إلى دورة عادية ، ثم قرر أنها دورة بمن حضر ، ثم أقفل الملف و لم نسمع عنه شيئا ، فهل السبب هو فشل عباس في جر الجميع إلى لعبة تعميق الانقسام ، أم عباس هو من قرر ثم أنقلب بسبب فقدان الاستقرار النفسي والعقلي .

- عباس قرر عقد المؤتمر السابع لحركة فتح العام الماضي ، ثم توقف ، و أستأنف ، و توقف ، و استأنف ، و توقف ، و ها هو يستأنف ، و لا ندري إن كان سيتوقف مجددا ، و ليته لا يتوقف هذه المرة ، لأن نعشه السياسي بحاجة إلى المسمار الأخير ، و لكن هل كل هذه  التقلبات كانت نتيجة لتوازن القوى داخل فتح ؟ ، أم إن فتح " موحدة ' تحت قيادته كما يدعي ؟ ، و إن كان ما يقوله عباس صحيحا فذلك يعني اننا في مواجهة خلل عقلي واضح  .

و أيضا :
- عباس قرر إقالة  وزير العدل الفلسطيني الأسبق علي مهنا بهدف تعيينه رئيسا للمحكمة الفلسطينية العليا  و رئيسا لمجلس القضاء الأعلى ، ثم أقاله من منصبه الجديد بحجة اعتراض محكمة العدل العليا و إبطالها لقرار تعيين مهنا لعدم صلاحيته للمنصة القضائية ، فهل فعلا هو قرار المحكمة العليا ، أم مزاجية عباس المرضية ؟  .

- عباس قرر في 20/1/2016 تعيين المستشار سامي صرصور رئيسا للمحكمة العليا و رئيسا لمجلس القضاء ، ثم أقاله بعد تسعة شهور دون إبداء الأسباب حتى هذه اللحظة ، فهل كان صرصور مزورا لتاريخ ميلاده ، أم عباس أنقلب عليه بسبب زيارته للأردن ؟ ، لا نعلم .

- عباس وافق على جهود الرباعية العربية في إجتماعات مباشرة مع مسؤولين عرب ، ثم تراجع عن كلمته و أخلف وعوده و بدأ بمهاجمة العرب طالبا منهم عدم " التدخل " في القرار الفلسطيني ، فهل ذلك يعني إلغاء القرار العربي بتعين عباس رئيسا ؟ .

و كذلك :
- عباس كان قد فعل نفس الشيء مع جهود فلسطينية و ليبية و لبنانية و عربية أخرى لرأب الصدع في صفوف حركة فتح ، و قد سبق له أن وافق و بارك جهودهم ، ثم أرتد و تراجع دون إبداء أي سبب  .

- عباس قرر في شهر آب / أغسطس اجراء الانتخابات الفلسطينية المحلية شهر أكتوبر ، ثم تراجع و أحال الأمر الى المحكمة العليا و التي قررت " جواز " إجراء الإنتخابات في الضفة الغربية دون القدس و غزة ، ثم أبطل عباس قرار إجراء الإنتخابات معتبرا نفسه فائزا في إنتخابات لم تتم ، فهل هناك ضياعا تخبطا  أكثر من ذلك ؟

- عباس قرر عدم الذهاب الى جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس ، و قرر تكليف صائب عريقات بتمثيله و قد رفض عريقات ذلك ، ثم تراجع عباس و قرر المشاركة شخصيا .

ثم :
- عباس رفض مقترح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عقد لقاء مع بنيامين نتنياهو ، لكنه عاد ووافق على عقد اللقاء في موسكو بلا أي شروط ، لكن نتنياهو رفض اللقاء .

- عباس أعلن عدم القبول بفتح أية قنوات إتصال خلفية مع الجانب الإسرائيلي ، ثم تراجع و قبل بفتح قناة تفاوضية بين أحد مستشاريه مع مستشار نتنياهو " إسحاق مولخو " في لندن .

- عباس قرر معاقبة المقدم أسامة لما كتبه عن مشاركة عباس في جنازة بيرس بالسجن 18 شهرا ، ثم تراجع و ألغى الحكم ، فهل تراجع خوفا من الشعب ؟  .

- عباس قرر تعيين نبيل أبو زايد سفيرا جديدا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة ، ثم تراجع و ألغى مفاعيل المرسوم
دون إبداء أي سبب مقنع .

مجددا :
- عباس أعلن أكثر من مرة إستحالة العودة الى طاولة المفاوضات ما لم توافق إسرائيل على شروط وقف الإستيطان وإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى ، ثم تراجع ووافق على ما يسمى بالمفاوضات الإستكشافية عبر مشروع وزير الخارجية الامريكي جون كيري .

- عباس قال لو خرج اربعة أو عشرين شخصا مطالبين برحيله ، فسيرحل قبل أن يخرجوا ، ألم يسمع عباس بمظاهرات و شعارات بلاطة و رام الله و غزة ، أم إنه يكذب عمدا ؟ ،

- هل نحن من طلبنا تشكيل لجنة غولدستون أم عباس ، وهل نحن تخلينا عن دماء إطفال غزة و وافقنا على إرجاء إقرار تقرير غولدستون في جنيف ، أم عباس هو من أصدر أوامر واضحة للسفير إبراهيم خريشة بالموافقة على تأجيل التقرير ؟

ثم :

- أليس عباس من أحال أمين عام المجلس التشريعي الأخ إبراهيم خريشة الى التقاعد ثم تراجع عن القرار ؟

- هل تذكرون فصل جمال أبو الرب من حركة فتح بعد أن أوسع جِبْرِيل رجوب ضربا ، ثم قرر إعادته لاحقا ؟

- بعد أحداث غزة الدامية قال عباس " لا حوار مع القتلة ، و سأكون أقل من امرأة إن حاورتهم " ، و رغم رفضي الشديد لتلك الإهانة لمكانة المرأة الفلسطينية ، ألا ترون أن عباس أتفه بكثير من أن يكون بمنزلة الأخ أو الأب أو الأم والأخت الفلسطينية ؟

- عباس صرح مرارا و على رؤوس الأشهاد أن أحمد حلس جاسوس و يجب قتله ، و طلب من الوزير حسين الشيخ جلب إعترافات حلس من الجانب الإسرائيلي ، و قام هو شخصيا بتوزيع تلك الإعترافات على قيادات و كوادر فتح ، و اليوم يضع يده بيد حلس ، فهل هو حلف زملاء المهنة ؟

- خلال حوار القاهرة مع حماس قال عباس للأخ أبو العلاء أريد إتفاقًا مع حماس ، و بعدها بنصف ساعة أستدعى الوزير سعدي كرنز و ماجد فرج و طلب إليهما تخريب أي إتفاق ممكن .

أيضا :

- عباس يمنع العلاج الطبي الخارجي عن أهل غزة و يوفره لكل مقربيه .

- عباس منع العلاج عن الشهيد القائد أبو علي شاهين و السفير المناضل سميح عبدالفتاح " أبو هشام " ، لكنه يعالج زوجته و أصهاره في مستشفى " هداسا " و غيرها من المشافي الإسرائيلية .

- عباس يحرم قضاة غزة المعطلين من الترقيات و حق العمل في محاكم الضفة ، و يقوم بتعيينات و ترقيات يومية في الضفة الغربية .

- عباس أعتمد كل تعيينات 2005 إلا ما تم في قطاع غزة ، و منذ عام 2007 تم تعيين و تجنيد عشرات الآلاف في الضفة الغربية مع حرمان شبه تام لقطاع غزة .

- عباس يحرم المعلمين من العيش اللائق و الكريم بحجة شُح الموارد المالية ، ثم يغدق و يسرف في الخدمات الرئاسية و الأمنية !

- عباس هو من أعتمد مبدأ نهاية السن القانوني للعمل و الضوابط الزمنية لرئاسة الأجهزة الأمنية و الوطنية للتخلص من رجال أبو عمار ، ثم عاد و خرق القانون من أجل أصحابه و مريديه و هي مسألة تستحق النشر و الجدل الواسع .

القائمة طويلة جدا ، لكني لا أريد إثارة قرف الناس مع إيماني العميق بحقهم في المعرفة و حرية الحصول على المعلومات ، حتى إن كانت المعلومة سببا للألم ، خاصة بعد ما أعتدنا و تطبعنا على رؤية و معايشة عمالقة حقيقين تصدوا لقيادة الشعب الفلسطيني على مدار خمسة عقود من الزمن ، و عمالقة جدد يولدون و يكبرون و يكافحون كل يوم في فلسطين ، و من لا يعلم أو يجهل ما يجري في الواقع الفلسطيني اليوم ، لن يستطيع الإستعداد لمستقبل وطني فلسطيني مختلف .