أخر الأخبار
ما أقسى أن تشعر بأنك كنت مخدوعاً !
ما أقسى أن تشعر بأنك كنت مخدوعاً !

السلام عليكم

ما أَقسى أن تشعَرَ بأنك كنتَ مخدوعاً لردحا طويلا من الزمن 
أشعرُ أنني تائه . . لا أدري كيف وصلتُ الى هذه الحالة 
كنت أعتقدُ أنني ذكي ومميز ولكنني اكتشفت أَنني مغفل وأَن حياتي كلها قائمة على النسخِ واللصق 
منذُ نعومةَ أظفاري نشأتُ على الطاعةِ المطلقةِ لكلِ من هم أكبرَ مني . . .لم أجرؤُ يوما على عملِ أيِ شيئٍ خارجَ منظومة الأعمال التي يسمح لي بها . . . كنتُ بريئا جدا 
عندما سُجلتُ في المدرسةِ الأبتدائية . . . روحي الغضة كانت مفعمة بالتفاؤل والحيوية والنشاط 
أحببتُ معلمَ الفصل الذي كان يدرسنا . . فقد كان ذا شخصية مؤثرة جدا . . ملهما ساحرا 
كنتُ أحسُ أنه عبقري وشخصية فذة لا مثيل لها . . . لكن هذا المدرس كان السبب في ما صارت عليهِ شخصيتي من تشرد و ما آلت إليه روحي من ضياع 
في المدرسةِ تعرفتُ على مفاهيم كثيرة وجديدة تختلف كثيرا عن ما ألفته في المنزل . . . كانَ أكثرها غموضا وغرابة بالنسبة لي هو ما يطلق عليه ' غرفة الفئران ' 
نعم هذا المفهوم الوضيع الذي لم يجد أحدا صعوبة في تخيل بشاعته كان له أثره العميق في تكوين شخصيتي المهلهلة . . . على الرغم أن مدرسنا لم يكن بحاجة إلى ترسيخ هذا المفهوم القميئ لفرض شخصيته وإرادته علينا فقد كان سحره وقوة تأثيره تغنيه عن هذا المفهوم الموغل بالرعب 
زمان . . كان نظام مدرستنا ينصُ على أن المدرس يقومُ بتدريس نفس الصف في الأول والثاني والثالث إبتدائي . . 
ما جعلَ بعض المدرسين يتفننون في غسيل دماغ الطلاب . . . وقد كنت أحد هؤلاء الطلاب للأسف . . اكتشفت لاحقا أن أستاذنا هذا كان مهووسا بفرض معتقداته وأفكاره علينا 
وكان يستخدم مفهوم غرفة الفئران كسلاح أفتراضي فعال يعزز فيه قبضة أهواءه الحديدية 
كان يوهمنا أنه توجد في طرف ساحة المدرسة غرفة كئيبة . . مظلمة ورطبة . . . تزخر بالفئران والجرذان والعِرَسْ من كل نوع وبكل الأحجام والأشكال . . . تتحين الفرص للإنقضاض ونهش جسد أي طفل يقترف خطئا جسيما أو حتى . . . زلة صغيرة 
وتبين لاحقا ان هذه الغرفة لم تكن إلا مستودعا للكتب المتهالكة والمصاحف المهترئة 
كنا نَحرصُ على أن لا ندنوا من هذه الغرفة ماديا بالإبتعاد عنها قدر الإمكان ومعنويا بالإمتثال لأدق تفاصيل أوامر هذا المدرس وعدم إقتراف أي خطأ بحقه الشخصي 
أو بحق تعليماته الحادة اللذان امتزجا بشكل مريب بحيث أصبح لايمكن التفريق بينهما 
أدركتُ متأخرا جدا أن ما كنا نتجنبه هي أفعال طبيعية ومنطقية بالنسبة الى عمرنا ومحدودية تفكيرنا .. ولكنها تتعارض مع ما يحويه دماغ أستاذنا الفاضل من محتويات عفنه 
ما فاقمَ النائبةُ أنه لم يكتفِ بتخويفنا من غرفة الفئران بل أضاف الى المشهد غرفة أخرى ليرسخ نفوذ أفكاره ومعتقداته البالية علينا . . كانت الغرفة الأخرى لا تقل غرائبية عن الغرفة الأولى . . 
غرفة أسماها (غرفة السكاكر) . . تعجُ بالشيكولاته الداكنه والحلوى المنكهة والمصاص الفاخر 
وكان لا ينفك عن مداعبة مخيلتنا الراكدة أصلا بأن من يطيعه ويلتزم أوامره ويكفَ عن نواهيه سيكون حتما من رواد هذه الغرفة في نهاية العام . . . ويمر العام تلو العام وعندما نسأل عن هذه الغرفة يقول أنه ليس ليدخلها أحد إلا بعد انتهاء 
المدرسة الإبتدائية وانتقالنا الى الإعدادية حيث أنه سيعمل حفلة كبيرة وسيسمح لجميع الطلاب بولوجها والإستمتاع في أكل ما لذ وطاب من حلوياتها التي لم يكن لها وجود من الأساس 
كان هذا المدرس الحاذق يدعي أيضا بأن كلمته هي الأولى والأخيرة عند مدير المدرسة الذي لم نره في حياتنا ولو لمرة . . . واحده وأن المدير لن يتوانى في تنفيذ أي طلب له وخاصة 
في تنفيذ العقوبات الشديدة كالطرد من المدرسة أو حتى النقل إلى المدارس البعيدة . . . التي كنا نرتعد لمجرد أن نتصور أنفسنا عبيدا أو إمعات لطلابها الأشاوس 
ثلاث سنوات من البرمجة الدماغية جعلتني وأبناء صفي مثل الآليين لا نتصرف إلا وفق الخطة الرديئة المعدة سلفا 
في أحد الأيام صارخت امي بشكوك راودتني بماهية هذه الغرف . . فنهرتني بشدة وأكدت لي أنه من الضروري تنفيذ كل تعليمات المدرس . . . كان رد فعل أمي ألطف من طريقة أبي . . الذي صفعني بعنف لمجرد أنني استفسرت عما إذا كانت هذه الغرف موجوده في المدارس الأخرى وعن سبب وجودها في مدرستنا 
ونتيجة لهذا العصف الذهني والنفسي حفظت كل المناهج عن ظهر قلب دون أن استوعب حرفا منها 
حتى بعد أن كبرتُ وأصبحتُ في مرحلة دراسية أعلى كنت لا أزال أحفظ كتب تلك المرحلة التي وصمت تاريخي وحاضري ومستقبلي برمته . . واستمر دماغي المبرمج على ابتلاع أي فكرة تتوافق مع ما يعتمل في دماغه المقفر 
وتقيأ أي أمر لم يكن له انبثاق في صحراء تعاليمه الجرداء 
الى أن جاء اليوم الذي تمنيت أنه لم يأت على الإطلاق 
حين اكتشفت أن مدرسنا هذا لم يكن سوى إنسان عدواني ومؤذ لجيرانه وأقربائه وكان . . زير نساء من الطراز الأول . . . ناهيك عن عدة قضايا مسجلة بإسمه . . . كانت إحداها قضية تحرش بطفلة لم يتجاوز عمرها السبع سنوات 
تأكدت من كل هذه القضايا عندما أطلعني عليها إبن خالي الموظف في قسم ملفات البحث الجنائي 
رفضت في البداية أن أصدق ما سمعته من حقائق لم أرغب بسماعها أصلا . . . قاومت بكل ما أملك من قوة . . قاومت بعصبية وصلت لدرجة العنف أحيانا غير أنه لم يكن لي أي حيلة في مواجهة الأدلة الدامغة المادية والظرفية التي كانت واضحة جدا للعيان 
الآن بعد ان اكتشفت هذه الحقائق الصادمة عن هذا المدرس . . بت أشك بكل القيم التي زرعها فينا . . . 
صحيح أنه علمنا بعض القيم الإيجابية ولكنه زرع فينا الخوف 
والرعب والتعلق بآمال زائفة وأوهام كاذبة لا وجود لها إلا في خياله المريض 
حتى تلك القيم فقد فسدت وتلاشت مع الزمن لأننا لم نكن نمارسها بدافع الإستيعاب والمنطق 
كنا نقوم بها طمعا في غرفة الحلوى أو فرارا من غرفة الفئران 
ما حيرني دائما هو موقف أبي وأمي عنما أبديت شكوكي بهذه الغرف المزعومة فقدت ثقتي في نفسي . . في المدرسين . . أبي. . . أمي . . . اشقائي وجميع أقربائي 
وأخشي أن أفقد ثقتي في المجتمع كله . . . . 
أرشدوني