أخر الأخبار
عرفات لم يرفض مبادرة كلينتون !
عرفات لم يرفض مبادرة كلينتون !

هناك توقعات، بعضها يصل إلى حد اليقين، بأنَّ هيلاري كلينتون إنْ هي نجحت اليوم وأصبحت أول سيدة تدخل البيت الأبيض، ليست كزوجة رئيس وإنما كرئيسة للولايات المتحدة الأميركية، فإنها ستبادر إلى استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط، القضية الفلسطينية تحديداً، من حيث انتهت قبل ستة عشر عاماً عندما كان زوجها بيل كلينتون في آخر لحظات رئاسته وعندما كانت مادلين أولبرايت وزيرة للخارجية وعندما كان (أبوعمار)، رحمه الله، على قيد الحياة وفي ذروة نشاطه وقمة ألاعيبه ومناوراته السياسية.
ولأن بنيامين نتنياهو، هذا الذي يحكم على الحاضر والمستقبل من خلال هذه اللحظة التاريخية البائسة والمريضة، يتوقع فعلاً أن عملية السلام، في حال فوز هيلاري كلينتون في الإنتخابات الرئاسية وأغلب الظن أنها ستفوز وسيعلن فوزها في هذا اليوم، سيتم استئنافها من حيث انتهت فإنه بادر إلى تكرار ما كان كرره مراراً والقول إنه لن يقبل بأي شروط مسبقة وأنه لن يكون هذا الإستئناف وفقاً لأي قرارات دولية سابقة وهذا يعني أنه يؤكد ومنذ الآن، وإن من قبيل المناورة، على عدم الإلتزام لا باتفاقيات أوسلو ولا بقرارات الأمم المتحدة ولا بما كان قد تم التوصل إليه في عهد سلفه أيهود باراك وبالطبع في عهد بيل كلينتون ومادلين أولبرايت.
وهنا وبما أن هيلاري كلينتون، إن هي عادت إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة وأغلب الظن أن فوزها سيتأكد اليوم، سوف تتعاطى مع عملية السلام في الشرق الأوسط من حيث انتهت قبل ستة عشر عاماً وحيث بدأنا نسمع ومنذ بدء معركة الإنتخابات الأميركية أنَّ ياسر عرفات أضاع فرصة فعلية سانحة برفضه حلاً كان أنجزه بيل كلينتون بمساندة وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت يضمن إقامة دولة فلسطينية على خمسة وثمانين في المئة من الأراضي المحتلة وتحديداً في الضفة الغربية .
وحقيقة أن هذا ليس تزويراً لحقائق الأمور وفقط وإنما أيضاً إفتراءً على رجل أفنى عمره كله من أجل قضية شعبه وقضية العرب كلهم والصحيح، وهذا هو ما سمعته منه رحمه الله وما تأكدت منه من بعض إخوانه في القيادة الفلسطينية وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس ( أبو مازن)، هو أن (أبو عمار) قد اشترط للموافقة على هذا أن يأتوه بشيء مكتوب وبضمانة أميركية ويقيناً أنه كان معه الحق كله إذْ أن كل هذا التاريخ الطويل ومنذ عام 1948 وحتى عام 2000 .. بل وحتى الآن قد أثبت أنه لا ثقة بالإسرائيليين حتى بالنسبة للإتفاقيات المبرمة والمدونة والمكتوبة فكيف بالنسبة لأمور غير مدونة وبالنسبة لتعهدات «شفوية» رفض بيل كلينتون تقديمها كوثيقة رسمية وبكفالة الولايات المتحدة الأميركية .
وهكذا فإنه غير صحيح وعلى الإطلاق أن (أبو عمار) قد فاوض في كامب ديفيد وفي غيرها وفي كل مكان وسراًّ وعلناًّ من أجل إضاعة الوقت وأنه في قرارة نفسه كان عاقد العزم على عدم الإقدام على أي حلٍّ «جزئي» للقضية الفلسطينية وترك الأمور للأجيال المقبلة.. والصحيح أنه كان مع ما يسمى :»المساومة التاريخية « وأنه كان حتى قبل الخروج من لبنان مع أي حلٍّ على حدود عام 1967 ومن ضمنه القدس الشرقية وعلى أساس قيام دولة مستقلة على هذه الحدود .
كان (أبو عمار) قد أمضى ليلة طويلة ومعه من (إخوانه) صلاح خلف (أبو إياد) ومحمود عباس (أبو مازن) وغيرهما خلال إنعقاد دورة المجلس الوطني في الجزائر في عام 1988 تلك الدورة التي أعلنت قيام دولة فلسطينية على حدود الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967 لإقناع الدكتور جورج حبش بهذا الحل وكان (أبو عمار) الأكثر حماساً لإنعقاد مؤتمر مدريد في عام 1991 الذي كان الحضور الفلسطيني فيه من خلال الوفد الأردني.. وحقيقة أنَّ (أبو عمار) بسبب تأييده للحل السلمي والموافقة عليه كاد أن يفقد حياته وأكثر من مرة على أيدي «المتطرفين» عملاء بعض الأنظمة العربية كانت إحداها في عام 1982 وبعد الخروج من بيروت عندما نصب له كمينٌ على الطريق بين حمص وطرابلس اللبنانية وحيث أستشهد عدد من مرافقيه الذين على أساس معلومات مسبقة رافقوا موكباً وهمياًّ بينما كان هو، أي أبو عمار، قد سارع إلى مغادرة دمشق جواًّ والعودة إلى تونس التي كانت قد أصبحت مقر القيادة الفلسطينية .