أخر الأخبار
فتح تحت حراب المقاطعة ” 2 ” .. ابو عمار يتحدى ” بلفور ” وعباس جاء لينتقم !
فتح تحت حراب المقاطعة ” 2 ” .. ابو عمار يتحدى ” بلفور ” وعباس جاء لينتقم !

كتب محمد رشيد :

سنوات " الإنتقام " تقترب من نهايتها ، ومحمود عباس يعرف ذلك قبل غيره ، وتلك الحقيقة تضغط على أعصابه وتصيبه بالجنون ، وكلما زاد خوفه وهلعه من الآتي ، كلما زاد إيغالا في أوحال الخطايا والكذب وتزوير الحقائق ، لكن كل ذلك الكذب والتدليس يعجز عن إختراق الوعي الفلسطيني ، ويعجز عن طَي الماضي ، وعن تطويع الحاضر .

الناس كلها تعرف حقيقة مواقف ومشاعر عباس ضد الزعيم الراحل ياسر عرفات ، وكيف أستخدم أداة رخيصة ، وكيف مهد علنا لإغتيال الزعيم سياسيا قبل تصفيته جسديا ، وكتاب إستقالة عباس من رئاسة الوزارة الفلسطينية وثيقة هامة وخطيرة فضحت مقدار حقده على أبو عمار ، كما كشفت عن مقدار إحتقار أبو عمار ل " كرزاي " فلسطين كما ذكر هو بنفسه في كتاب الإستقالة .

الفتحاويون أيضا يعرفون الأحقاد الدفينة التي يحملها عباس لحركتهم منذ أن تم إسقاطه بصورة مدوية خلال المؤتمر العام الخامس بتونس ، لقد جعلته فتح يبكي أياما وهو يلازم بيته ، ورغم إعادة ترتيب نتائج ذلك المؤتمر ، فإن عباس لم يشف من الغل والحقد ، ولم يقو أو يستطع تنفيس أحقاده خلال دورة أعمال المؤتمر السادس ببيت لحم ، فرجال وتيارات ذلك المؤتمر لم تمكن عباس من بسط سيطرته التامة على مقاليد ونتائج ذلك المؤتمر ، و" هبة " أبو علاء المبكرة والصاخبة لم تمنح عباس الراحة والأمان  .

عباس و بعد كل تلك السنين ، يتنطح اليوم و يقول بأنه يعرف قاتل الزعيم ، و يضيف " شهادتي " وحدها لا تكفي وعلينا إنتظار نتائج التحقيق ، وأنا أقول بأن عباس غير مؤهل وطنيا وأخلاقيا لدور الشاهد أو المقرر في جريمة العصر التي أودت بحياة الزعيم ، و إن أعتقد عباس بأننا نسينا أو " خرفنا " مثله ، فهو أحمق وواهم ، وعلينا أن نذكره بأن شهادته مرفوضة ، لأنه متهم سياسيا من الدرجة  الاولى بمقتل أبو عمار ، ليس فقط بسبب إعاقة العدالة وتبديد الأدلة ، بل لأنه صرح وعمل كثيرا وطويلا من أجل إثبات العكس ، وتلاعب لوحده بمسرح الجريمة ، وشتت الشهود المحتملين ، وبذل جهدا خارقا للتدليل على " طبيعية " وفاة الزعيم ، فهل جاء عباس "  بمهة واحدة هدفها تدمير فتح بعد أن خان رفيق الدرب أبو عمار " كما صرح قائد فلسطيني حديثا لمسؤول عربي كبير !

لكن كلام عباس لا يعدو عن كونه تدخلا فاضحا في سير التحقيقات ، وضغطا مكشوفا ومشبوها على لجنة التحقيق الفلسطينية ،  وعباس دون أن يدري ، وبتعجل وتطرف أحمق ومتهور ، وضع لجنة التحقيق في موقف حرج ، فإما هم موافقون على ما يريده عباس مهدرين بذلك الأمانة والمصداقية ، أو هم خصومه المباشرون في ترتيبات وتكتلات مؤتمر " المقاطعة " الأمني  .

خلال وجود الزعيم في مستشفى " بيرسي " جاء محمود عباس الى باريس ، جاء مكرها ومغصوبا تحت الضغط ، جاء مداراة للقيل والقال ، لم يكن راغبا في إقران إسمه بإسم الزعيم ، لأنه كان يعتقد بأن ذلك سيلحق به لعنة أصدقائه الجدد آرئيل شارون و جورج بوش وكوندليزا رايس ، جاء وهو يعلم بأن من قتل ياسر عرفات إنما فعل ذلك لأجله هو ، لأجل عباس وتعهداته الشخصية لواشنطن وتل أبيب ، واليوم لم تعد تلك المعلومات حكرا علينا وحدنا ، فمحضر إجتماع عباس مع شمعون بيرس قد كشف ما كنت أتحدث به لسنوات وسنوات ، وإني لأعجب من صمت الشعب الفلسطيني وصبره !

كما كنت قد أسلفت في الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالات ، فلم يدخل محمود عباس غرفة الزعيم في مستشفى " بيرسي " الفرنسي ، ولم يلق عليه نظرة الوداع حتى عبر الحاجز الزجاجي ، لأنه أساسا لم يقترب من الطابق الذي كان يرقد فيه الزعيم ، ولكن ، وفي مساء ذلك اليوم طلبنا لإجتماع مع عباس في مقر إقامته الباريسي ، ولم أتردد في تلبية الدعوة ، كنت أعلم بأن لصاحب الدعوة أغراضه الخاصة ، وكانت لي طبعا أغراضي ، وأتذكر جيدا أسماء ووجوه الحاضرين معه من رام الله على بساط الأوهام القادمة ، وكذلك أسماء ووجوه المتطوعين والوافدين من عواصم أوروبية قريبة ، ولفتني غياب الأخوين أبو علاء وناصر القدوة .

جلس هو طاووسا على رأس الطاولة ، و أخترت أنا ركنا بعيدا عن مخزون الحقد النابض والكراهية المشعشعة ، فقد كنت أمقته ، وكان هو يكرهني ، ولا زلنا نفعل ، فلم يكن هناك أي مجال للتوافق أو التنافق ، كان هو يعلم بواقع الأمر ، وبحقيقة إستحالة شفاء ابو عمار ، وكنت أعلم بمقدار إطلاعه على حقائق وضع الزعيم ، حبل التكاذب كان مستحيلا ، بل منعدم بكل ما في الكلمة من معنى ، بين " وريث " متآمر ومتأهب ، وبين صديق ورفيق محزون ، بين من يحاول التلاعب بالحقائق والمشاعر ، وبين من يحاول إختصار الألم والكشف عن الحقيقة .

عباس لم يرغب في سماع الحقيقة ، كما لم يرغب في فتح " السيرة " تحاشيا لسماع الآخرين للحقيقة ، وكل ما أراده من ذلك اللقاء هو إشعار الحاضرين بمقدار تحكمه بالموقف ، غير إنه كان خائفا في داخله ، ومتحسبا لتطورات محتملة ، بعضها خرافي ، كأن ينهض أبو عمار ويعود الى شعبه ، وبعضها الآخر مرتبط بتسويق قدرته على فرض نفسه " خليفة " لأبو عمار دون منازع أو منافس ، ففي عقله الباطن كان يخشى ، بل يرتعد من إمكانية تقدم الأخ مروان البرغوثي أو الأخ أبو علاء للتحدي والمنافسة ، وتلك حكاية بها تفاصيل كثيرة ومثيرة كنت شاهدا على بعضها وطرفا في بعضها الأخر .

دارت الحلقة في لمح البصر ، وجاء دوري للكلام ، كنت متأهبا للغاية مدركا إنتهاء عصر وبداية عصر مختلف ، ولم أموضع نفسي لأية مساومة ، بل كنت قد قطعت طريق المساومات في حوار تلفزيوني كاشف مع الإعلامية العربية الكبيرة جزيل خوري عبر برنامجها الشهير " بالعربي " ، وقررت أن أدفع حديث ذلك المساء مع عباس الى نفس المنحنيات الخطيرة ، لكني ، ومعتمدا على رعونة وحماقة عباس ، أستدرجته الى مربع يتيح لي طرح كل ما أريد دون أن يتمكن من إيقافي ..

فقلت : أبو مازن أفضل أن أتحدث بيني وبينك
شعر هو بأنني أبحث عن التميز ،  فرفض
وقال : نتحدث هنا جميعا وبصراحة وإنفتاح
كنت أتمنى سماع تلك الكلمات القليلة ، لأنها حررتني من القيود
قلت : رأيي العكس ولكن كما تريد ، وأضفت : بإختصار شديد لدي ثلاث نقاط
- الأولى نحن جميعا في هذه الغرفة نعلم يقينا أن أبو عمار لن يعود الى فلسطين الا محمولا على الأكتاف
أوقفني هو بعصبية قائلا : هذا كلام سابق لأوانه
قلت : الأمر أنتهى ، وكما أبلغت أنا أبلغ الأخ محمد دحلان ، والإلحاح الفرنسي على حضوركم دافعه هو إبلاغكم الحقيقة وجها لوجه .
قال وبعصبية واضحة : و ماهي النقطة الثانية والثالثة ؟
قلت : أنصح بتشكيل لجنتين وطنيتين فورا ، اللجنة الأولى تختص في البحث عن أسباب موت أبو عمار ، لأن أبو عمار قتل بطريقة وحشية ووفاته ليست طبيعية .
قاطعني مرة أخرى بعصبية قائلا : أبو عمار لا زال حيّا و لا داعي لبث الأقاويل والتوقعات حول أسباب مرضه.
قلت : أبو عمار ليس مريضا ، أبو عمار تعرض لعملية إغتيال واضحة والوكالات الفرنسية الرسمية أكدت لي و للأخ محمد دحلان ولكم أن الأمر بات مقضيا.
قال : بلاش كلام فارغ وأقوال مرسلة.
قلت : حتى لو كان كلامي فارغا ، فإني أرجو أن تطلبوا من السلطات الفرنسية تشريحا جنائيا وطبيا كاملا ، فلن يصدق أي فلسطيني على الأرض " طبيعية " وفاة أبو عمار ، الا عبر تحقيق جنائي وطبي فرنسي متكامل .

و بالمناسبة لم تطلب القيادة الفلسطينية إجراء تشريح طبي متكامل بحثا عن أسباب وفاة أبو عمار ، وبالتالي صدر التقرير الفرنسي " الرسمي " مصرحا بأن أسباب الوفاة " غير معروفة " .
 
تجاهل عباس كل ما قلت ، و سأل في عصبية ونفاد صبر : وما هي النقطة الثالثة ؟
قلت : أقترح تشكيل لجنة وطنية برئاسة الدكتور سلام فياض لفحص وحصر الذمة المالية لأبو عمار .
سأل : لماذا ؟
قلت : هناك جو من الشائعات والترويجات عن " ثروات " أبو عمار ، والأمريكان شكلوا لجنة خاصة لذلك ، فلماذا لا نفعل نحن ، وأنا مستعد لأكون أول شخص يمثل أمام تلك اللجنة ، فلا ينبغي لنا أن نترك تلك الشائعات تتدحرج وتكبر ، وأستطيع أن أقدم لكم قائمة أسماء قصيرة بإمكانها الإجابة على 99% من الأسئلة المفترضة ، و أضفت:
أبو مازن أنت تعلم بأن أبو عمار كان يدير ولم يكن يملك .

سارع عباس الى فض الإجتماع ، وقرر العودة بأسرع وقت ممكن الى رام الله ، لأنه كان يعلم يقينا بأن الأمر كان مقضيا في ما يتعلق بالرئيس الشهيد ، ومن جانبي لم يكن ممكنا السكوت عن تسويق الأوهام وإفتعال الأكاذيب ، فقررت " تسريب " حقائق حالة أبو عمار عبر وكالة صحافة دولية كبرى ، لأن أبو عمار فارق الحياة من الناحية الواقعية والطبية فجر يوم الثلاثاء الموافق 2 نوفمبر 2004 إثر نوبة عنيفة دفعته الى غيبوبة تامة لا عودة منها ، أما من كانوا حول الزعيم فقد تمسكوا بحبل معجزة إلهية أو طبية ، فأبقي الزعيم نابضا بفعل أجهزة متطورة عمدت أليها الفرق الطبية الفرنسية بحكم دورها وواجبها الطبي والأخلاقي ، لكن الأمر كله كان قد أنتهى فجر ذلك اليوم من نوفمبر . 

أعلم جيدا ما سيثيره كلامي من لغط وسخط وتساؤلات ، وكل الحقائق التاريخية المخفية هي مادة طبيعية للجدل والخلاف ، فالتاريخ قد يزور أو يحرف في كثير من الأحيان ، لكنه قادر دوما على تنقيح وتصحيح نفسه ، وأنا أدعي أن أبو عمار رحل بطريقة أسطورية ، مجسدا ذروة مأساوية جديدة ، فلم يكن رحيل عاشق فلسطين الأول ممكنا ، الا في تحد صاخب للظلم التاريخي ، تحدي " وعد بلفور " ، نعم لقد تحدى أبو عمار ذلك الوعد المشؤوم الصادر في 2 نوفمبر 1917 ، فقرر إلقاء ما تبقى من أسلحة المواجهة ، ألقى بحياته في 2 نوفمبر 2004 ، ليذكرنا جميعا بأن فلسطين ليست أرضا بلا شعب ، بل هي أرض تستحق كل شيء ، وأرض أستحقت حياة الزعيم .