أخر الأخبار
لا سفارة أمريكية في القدس المحتلة
لا سفارة أمريكية في القدس المحتلة

من وعود « دونالد ترمب» سيد البيت الابيض القادم الكثيرة والمقلقة التي تعهد بها اثناء حملته الانتخابية الصاخبة ، والتي لن ترى النور يوما ، وعده بنقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس المحتلة. فموانع النقل تتراكم يوما بعد يوم وتزداد تعقيدا. والزمن أحيانا يعمل كالمنشار الذي لا ينفك يقضم عنق الشجرة ذهابا وايابا.
في 20 حزيران 1984 نشر « توم لانتوس» الديمقراطي في مجلس النواب الامريكي في حينه ومن أشد المناصرين لاسرائيل مقالا مطولا في صحيفة « كريستيان سايننس مونيتور» بعنوان « السفارات مكانها العواصم» شرح فيه وجهة نظره حول ضرورة نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة ، وكان «دونالد ريغان» الجمهوري حينئذ يداوم في المكتب البيضاوي.
ربع قرن من الزمن فصل بين مطالبة « لانتوس» اليهودي من أصول هنغارية بنقل السفارة عام 1984 وبين وفاته عام 2008 وهو في الثمانين من عمره ، وسفارة بلاده لم تبرح مكانها في تل ابيب.
في ذلك العام 1984 وأثناء عملي ومتابعة دراستي في العاصمة الامريكية قرأت ذلك المقال وأعددت ردا عليه تم نشره في نفس الصحيفة في 28 حزيران ، مستعملا اسما مستعارا ، وفيما يلي بعض النقاط التي تضمنها الرد بعدم جواز نقل السفارة الى القدس المحتلة وهي ذات النقاط التي ما تزال قائمة حتى الان ، بل هي تنمو وتتشعب وتتعقد مع كل يوم يمضي!
قال «لانتوس» في مقاله ان اسرائيل نقلت عاصمتها من تل أبيب الى القدس تماما مثلما فعلت البرازيل عندما نقلت عاصمتها من «ريودي جانيرو» الى «برازيليا»! وكان الرد على ذلك هو «ان العاصمة الجديدة للبرازيل لم تكن مدينة محتلة من دولة أخرى كما هي حال القدس العربية الشرقية التي احتلتها اسرائيل بالقوة عام 67».
مثال «لانتوس» الاخر كان ان المانيا الشرقية بعد هزيمة وتقسيم المانيا النازية اختارت برلين الشرقية عاصمة لها وتساءل لماذا لا يسمح لاسرائيل ان تفعل مثلها ؟ كان الرد على ذلك بسؤال آخر: لماذا اذن نقلت المانيا الغربية عاصمتها الى «بون» ولم تبقها في برلين الغربية ؟ فعلت المانيا الغربية ذلك لأنها اصرت على ان برلين الشرقية مدينة محتلة الى ان تحررت عام 1990.
تذرع « لانتوس» في حينه أيضا بأن للولايات المتحدة 135 سفارة عاملة في عواصم دول العالم كله باستثناء اسرائيل. وكان الرد ايضا على شكل سؤال هو: لماذا من بين كل دول العالم التي تعترف باسرائيل دولتان فقط قامتا بنقل سفارتيهما من تل ابيب الى القدس المحتلة هما كوستاريكا والسلفادور؟
جاءت النقطة الاخيرة على أطروحة «لانتوس»مجددا على شكل سؤال أيضا: لماذا انتظر سياسيون مثل «لانتوس» مرور 17 عاما على اعلان اسرائيل القدس عاصمة لها بعد احتلالها مباشرة عام 1967 قبل ان يتنبهوا لهذا التغيير الخطير من قبل اسرائيل ومحاولتها فرض امر واقع جديد بالقوة العسكرية؟
الان مضى حوالي نصف قرن على احتلال القدس العربية الشرقية وما تزال الأسس والمبادئ بعدم جواز نقل اي سفارة أجنبية من تل ابيب اليها قائمة مثلما كانت ما قبل عهد «ريغان» وما بعده ، وستظل قائمة في عهد «ترمب» وما بعده. ولن تحل هذه المشكلة ما لم تحل المشاكل الاخرى المتفرعة عنها. وهذا ما سيكتشفه الرئيس الامريكي المنتخب عندما يصار، عاجلا أم أجلا ، الى محو أميّته في شؤون السياسة الدولية!
اما لماذا استخدمت في حينه اسما مستعارا فلذلك «فرد سلافة» لا تخلو من طرافة!