أخر الأخبار
لا عزاء لمن راهنوا على أردوغان
لا عزاء لمن راهنوا على أردوغان

استكملت تركيا الأردوغانية، خطوات المصالحة والتطبيع مع إسرائيل، إذ طلب الإدعاء العام التركي، من المحاكم المختصة، شطب الدعاوى التي رفعها المواطنون الأتراك، ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين أمروا بارتكاب مجزرة السفينة "مرمرة". فلم تعد هناك قضية، ضد رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غابي أشكنازي، ولا ضد قائد سلاح البحرية الجنرال اليعزر ماروم، وهما الرجلان اللذان قررا وأمرا بتنفيذ عملية الاقتحام، ما أدى الى مقتل عشرة من المواطنين الأتراك، الذين تضامنوا مع غزة في حصارها، وطالبوا بحريتها!

كانت الخطوة الأخيرة، هي تسوية الجانب القانوني، بوقف كل تدابير الملاحقات القضائية لمن أمروا بارتكاب الجريمة، بعد أن تمت تسوية الجانب السياسي، فوصل السفير الإسرائيلي الجديد إيتان نائي، الى العاصمة التركية، ويتوقع وصول السفير التركي كمال أوكوم الى تل أبيب بعد أيام قليلة.

إن المصالحة التركية الإسرائيلية، ليست أمراً يقف عند الحدود الديبلوماسية، وإنما هو أمر ينذر بعودة العلاقات الاستراتيجية الى سابق عهدها، وهي ذات حيثيات أمنية وعسكرية. فهذه العلاقات، تتجاوز وظيفة تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي، وتتعداها الى علاقات ثنائية تراها تل أبيب، الثانية في الأهمية، بعد العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. فعندما أحس الطرفان، التركي والإسرائيلي، بالخسارة من تدهور العلاقات، ومن تراجع التنسيق الأمني الاستراتيجي وليس وقفه، أعلنت تل أبيب، في سبتمبر الماضي، أنها دفعت التعويضات المقررة والمتفق عليها، والبالغة حوالي 20 مليون دولار، لصندوق خاص أقيم لصالح المتضررين الأتراك من سفينة "مرمرة"، وذلك كجزء من اتفاقية تطبيع العلاقات التي أبرمت في شهر يونيو الماضي. ومعروف أن عائلات الضحايا الأتراك لم تتلق بارتياح أنباء اتفاق التعويضات، وهدد بعضها بمواصلة ملاحقة إسرائيل في المحاكم التركية والأجنبية. لكن إسرائيل تحسبت لهذه المسألة وألقت بمسؤولية معالجة الدعاوى ضدها في تركيا على الحكومة التركية، التي سنت تعديلا قانونيا خاصا في البرلمان وأمرت، كما سلف، المدعي العام بسحب الدعاوى المرفوعة.

اليوم، يعود الجيش التركي الى مركزه كمستورد مهم للخبرات والصناعات العسكرية الإسرائيلية. في الوقت نفسه، كانت فترة التدهور في العلاقات التركية الإسرائيلية، فرصة مواتية لتل أبيب، لبناء منظومة علاقات أعمق استراتيجياً مع دول حوض البحر المتوسط، ومن بينها إنشاء علاقات استراتيجية بديلة مع كل من قبرص واليونان. لقد فعلت تل أبيب ذلك، وهي تدرك أن كل العلاقات البديلة، لن تغنيها عن العلاقة مع تركيا، على الأقل لأن اليونان وقبرص، تتطلعان الى استثمارات تل أبيب، وليس لديهما الأموال لشراء المنتجات الإسرائيلية، كما أن محاولة بلورة مشاريع في قطاع النفط والغاز والكهرباء لا تزال في حاجة الى وقت طويل، لكي تؤدي نتائج ملموسة. أما التبادل التجاري والصناعي والسياحي بين تركيا وإسرائيل فإنه يشكل عنصر دعم مهم لاقتصاد إسرائيل.

حيال مثل هذه التطورات، يصح التوجه الى الفلسطينيين والعرب، الذين عقدوا الكثير من الآمال على تركيا الأردوغانية، بالقول إن ما رجوتموه من أنقره، يُضاف الآن، الى قائمة الأوهام التي اضعتم وقتاً ثميناً في انتظار تحولها الى حقائق. ولم تكن الأوهام قد راجت، لو لم يتجاهل المتفائلون، وقائع السياسة وحقائق العلاقات الاستراتيجية في الإقليم. فتركيا كانت ولا زالت وستظل ركناً أساسياً من حلف شمال الأطلسي، وهي وإسرائيل حصراً، حليفتان بارزتان للولايات المتحدة في المنطقة، وقد لعبت الإدارة الأميركية دوراً فاعلاً في محاولة إصلاح العلاقة بين حليفتيها. وضغطت أميركا على كل من تركيا وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق مصالحة، وهذا هو ما تم بمساعدة الأمريكيين ووساطتهم الدئوبة، بحكم أن التوتر في العلاقات بين هاتين الحليفتين شكل عائقاً أمام السياسة الأميركية في المنطقة عموماً وفي سوريا على وجه الخصوص.

ليست إلا المكابرة وحدها، هي التي لا زالت تحث بعض العرب وبعض الفلسطينيين، على الاستمرار في الرهان على محور قطر تركيا وجماعة "الإخوان". ربما يتقبل المنطق أن تحافظ تركيا على علاقات طبيعية مع جميع الأقطار العربية، أما الذي يجافي المنطق، فهو التحاق جماعة "الإخوان" بالعلاقة القطرية التركية، وانسحاب صيغة هذا التحالف، على المعادلات الفلسطينية الداخلية، وكأن تركيا الأردوغانية، هي المعادل الموضوعي لخط الجهاد في فلسطين، أو المعادل الموضوعي أيضاً لتجسيد الصحوة الإسلامية والمشروع "الإخواني"!