أخر الأخبار
هل يسير محمود عباس على خُطا السادات ويلقي خطابا في الكنيست ؟
هل يسير محمود عباس على خُطا السادات ويلقي خطابا في الكنيست ؟
رام الله - الكاشف نيوز : " أدعو أبا مازن من هنا: لنكسِر الجمود، تعالَ إلى الكنيست، وأنا سأذهب إلى رام الله ".بهذه الكلمات توجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي إلى رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته ، محمود عباس. "اصعد على هذا المنبر، واعترِف بالحقيقة التاريخية - لليهود صلة بأرض إسرائيل منذ نحو 4000 سنة. اليهود هم شعب ذو حقّ في تقرير مصيره. وبتحقيق السلام الحقيقي، تنتهي جميع مطالب الفلسطينيين من دولة إسرائيل، بما في ذلك ادعاءات قومية ذات صلة بمساحة الدولة وسيادتها".
وردّ عباس هذا الأسبوع على دعوة نتنياهو، وكذلك على الفحوى الذي يريد نتنياهو أن يتضمنه الخطاب المطلوب. ففي مقابلة مع برنامج إذاعيّ روسي، وقال: "يقترح نتنياهو أن أذهب، ثم يُملي عليّ ما أقول؟ هذه دعوة مشروطة، وأنا أرفض الشروط. إذا كان يدعوني لأقول ما أريده - لا ما يريده هو - فأنا مستعدّ".
إذا قدِم إلى الكنيست، لن يكون عباس أول زعيم عربي يفعل ذلك. ففي مثل هذا الوقت قبل 36 عامًا، وقف الرئيس المصري، أنور السادات، على منصة الكنيست، وألقى خطابًا أذهل الرأي العام الإسرائيلي. في الواقع، كانت زيارة الرئيس المصري لإسرائيل بحدّ ذاتها بعد 30 عامًا من العداء بين إسرائيل العالم والعربي هي ما أوقع إسرائيل في صدمة.
في 9 تشرين الثاني 1977، فجّر السادات قنبلة دبلوماسية حين كان يخطب أمام أعضاء مجلس الشعب المصري: ‏‎"‎ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم". وبالفعل، دُهشت إسرائيل والعالم كلّه من استعداد الرئيس المصري للذهاب إلى إسرائيل. بين الذين أصيبوا بالذهول الرئيسالفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الذي كان يجلس في القاعة وقت الخطاب، واستصعب تصديق ما سمعته أذناه. لم تتأخر الدعوة الرسمية من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك، مناحم بيجن. وفي العشرين من تشرين الثاني، هبطت طائرة الرئيس المصري في إسرائيل.
"قد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام"، قال الرئيس المصري حين وقف أمام أعضاء الكنيست.قبل أربع سنوات وشهر واحد من إلقاء خطابه، قاد السادات الهجوم الكبير والمنسَّق بين الجيشَين المصري والسوري ضدّ إسرائيل، هجوم أدّى إلى وفاة آلاف الإسرائيليين، المصريين، والسوريين. وتطرّق السادات إلى حرب 1973 كأحد أسباب زيارته: "قد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان. ولكنه تحطم في عام ‏‎1973". يُفترَض أنّ الإسرائيليين لم يستحسنوا سماع هذه الأقوال، إذ كانوا لا يزالون يعانون من مخلّفات الحرب.
هذا الأسبوع، دعا رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني، د. صائب عريقات، نتنياهو "أن يوقف المناورات"، على حدّ تعبيره، لأنّ استجابة الدعوة تعني اعتراف السلطة بدولة إسرائيل دولةً يهودية. لكن فيما يطلب نتنياهو من عباس أن يعترف بالحقّ التاريخي لليهود في فلسطين (أرض إسرائيل)، فإنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل، مناحم بيجن، لم يطلب شيئًا من السادات قبل مجيئه إلى الكنيست.
قال السادات إنه يعترف بوجود دولة إسرائيل كواقع، ولذلك فهو مستعدّ لعقد تسوية معها، لكنه لم يعترف بها كـ"دولة يهودية". فقد قال: "ولقد أعلنت أكثر من مرة، أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، اعترف بها العالم، وحملت القوَّتان العُظميان مسؤولية أمنها وحماية وجودها. ولما كنّا نريد السلام، فعلاً وحقًّا، فإننا نرحب بأن تعيشوا بيننا، في أمن وسلام، فعلاً وحقًّا"‏‎.‎
ورغم الاعتراف المؤوّل بإسرائيل، كان ما طلبه الرئيس المصري أمام الإسرائيليين واضحًا لا لبس فيه، جازمًا، وغير قابل للتسوية: "هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية"‏‎.‎لم تحظَ أقوال السادات تلك بإجماع إسرائيلي عام 1977، وهي غير مقبولة على القيادة الإسرائيلية حتى اليوم، حين تصدر عن محمود عباس.مع ذلك، لم يتردد السادات في عرض طلب الانسحاب كـ"أمر بديهي". "لا رجاء فيه لأحد أو من أحد"، قال السادات حينذاك.
ورغم الطلبات الحادّة، فإنّ الاتّفاق الذي وقّعه السادات مع إسرائيل بعد نحو سنة ونصف، لم يؤدِّ إلى تحقيق جميع المطالب التي طرحها السادات في خطابه في القدس. انسحبت إسرائيل حتى حدود 1967 على الحُدود مع مصر، لكنها واصلت احتلال قطاع غزة، الضفة الغربية، القدس الشرقية، وهضبة الجولان.
فهل يستجيب عباس ويلقي خطابًا أمام الكنيست؟ ادّعت صحيفة "هآرتس" نهاية الأسبوع أنّ كلمات نتنياهو ليست أكثر من ذرٍّ للرماد في العيون. فوفق نظام الكنيست، لا يسع رئيسَ الحكومة أن يدعوه لإلقاء خطاب، إذ إنّ الوحيدين الذين يمكنهم إلقاء خطاب هم رؤساء الدول، رؤساء البرلمانات، ورؤساء المنظمات التي إسرائيل عضوٌ فيها. وبما أنّ إسرائيل لا تعترف بدولة فلسطين، فإنّ الكنيست لا يمكنها أن تسمح لعباس أن يخطب أمامها.