أخر الأخبار
رافع الحصانة..شديد التحصين
رافع الحصانة..شديد التحصين

لعل من قبيل التلطف وطيبة القلب، أن يميل واحدنا الى تفنيد ووصف التقيؤ الأخير من بطن عباس الرميم، الذي لا يراعي حُرمة شي ولا نظافة مكان. فقد تحولت مُخرجات هذا البطن الأجرب، الى فلكلور أو كاريكاتير، يُسعد خصومة ويُحرج أحبابه، لأن للأحباب، في النهاية، قدرة محدودة على مقاومة الحَرَج، وعلى النطق بالتعليلات، التي تبرر لمن يسمونه "السيد الرئيس" حماقاته المتتالية. فقد أضناهم الولاء لهذا الرجل، حتى وقعوا في مأزق مع أطفالهم ومع بيئتهم الاجتماعية، وبدأوا يهمسون عبر القنوات الآمنة، مستفيدين من كون هواتفهم غير خاضعة للتنصت؛ ويتأففوا من الوضع ومن الزمن، وهذان، في لغتهم، المعادل الموضوعي لعباس. فليس أطرف من أن يُسمى الشخص وضعاً، وأن يتكثف الزمن في شخص، هو رعديد أصلاً، وفاقدٌ للاحترام طيلة سنوات الثورة، ومنذور منذ بدايات التفكير في سقطة التسوية، للخوض في قنوات صرفها الصحي، ومخابراتها الروسية والأميركية!

ليس ثمة مدخل، للحديث عن رفع الحصانة عن نواب منتخبين، أهم من القول إن رافع الحصانة وفاقدها بالمعنى الدستوري والسياسي والأخلقي والجنائي باعتباره فاسداً بامتياز، قد فعل ما لم يفعله عيدي أمين، الديكتاتور الأوغندي المعتوه في السبيعينيات، الذي وُصف بأنه آكل لحوم البشر. ذلك لأن عباس شديد التحصين، وقد أتيح له، ما لم يتح لعيدي أمين: غلافان أمنيان يحميان أدائه لمهمة الإجهاز على حركة الفلسطينيين الوطنية، وإخصاء الطبقة السياسية، وتعويد المجتمع على المهانة والتعايش مع الاحتلال. الغلاف الأول، التعبوي أو التكتيكي، هو الذي تمثله القوة التي دربها الأمريكيون وعلّموا ضباطها كيف يعمل "حرس الرئاسة" في كل نظام فاسد ومستبد، والثاني، الاستراتيجي، تمثله المنطقة العسكرية المركزية الإسرائيلية، على خارطة انتشار جيش العدو. لذا فإن طيبي القلب، هم الذين يناقشون تقيؤه الأخير، بمفردات الشرح القانوني. والمتفائلون هم الذين يعللون حماقته الأخيرة بمفردات الطب النفسي، ومعايير التعاطي مع الحمق ودوافعه العصبية. فلا شيء يتعلق بعباس، يصلح للنقاش. إن الذي يصلح، هو الجواب عن السؤال: ما الذي يتوجب أن يفعله الوطنيون الفلسطينيون، لكي يتقبل الله منهم الطاعات، ويرفع عنهم الغُمة العباسية، ويمدهم بحماسة العمل على نفض اليد وغسلها من عباس، رُغم أنف المنطقة العسكرية الإسرائيلية المركزية؟!

اليوم، أعضاء مركزية عباس، سيغشاهم أحساس مختلف. فعندما ارتضوا المؤتمر الملفق، وترشحوا، ووقفت مع معظمهم كتلة تشارلز زنانيري وسواه من المعروفين لهم جيداً، فنجحوا؛ ظلوا يكابرون ويحيلون الأمر الى اختلافات في وجهات النظر، أو الى حال استقطاب، أو إن طبائع الأمور هكذا لأن المؤتمر "تمثيلي" ولأن من يستحقون العضوية، لا حصر لهم، وحسب تخريجة نبيل عمرو ــ أثناء تفاؤله قبل الانعقاد ــ لو حضر خمسة آلاف عضو، سيكون هناك خمسون ألفاً يستحقون العضوية، وهكذا برر المشاركون لأنفسهم الترشح، فسقط من سقط من المُعللين والمطبلين، ونجح من نجح!   

الإحساس المختلف الذي سيغشى قلوب الناجحين في مؤتمر عباس، أن الرجل الكابوس، لن يرضيه أقل من صمتهم عن رفع الحصانة عن النواب، والحاذق منهم سيؤيد الحماقة، لكن الصامت والمؤيد، كلاهما، سيقعان في مأزق مع المجتمع الفلسطيني ولن تقوم لهما قائمة سياسية بعد عباس الذي لن ينفعهم في حضوره، مثلما لن يحمي سمعتهم أحد في غيابه.

هل يجرؤ واحد منهم على مجرد توجيه سؤال فني لعباس، عن الموجبات القانونية والمسوغات الجنائية الي بُني عليها قراره رفع الحصانة عن نواب منتخبين؟ وهل تكون لجنة عباس المركزية، جديرة بتوجيه رسالة خطية الى عباس، لتذكيره بأن البريطانييين، في احتلالهم البغيض لمصر، عام 1982 قد أعادوا تشكيل مجلس النواب في السنة نفسها، وأعطوا ممثلي الشعب دستوراً يقرر حرفياً، في مادته الثالثة، أن النواب "مطلقو الحرية في إجراء وظائفهم وليسوا مرتبطين بأوامر أو تعليمات تصدر لهم تخل باستقلال آرائهم ولا هم مرتبطون بوعد أو وعيد يتلقونه"!

وهل يأنس أشد الموالين موالاة، الشجاعة في نفسه، لكي ينصح عباس، بمطالبة جيرانه الأعزاء، بالحق في إنفاذ قوانين الطواري البريطانية للعام 1945 التي أجازت للمحاكم العسكرية الاحتلالية العمل بها، تحاشياً للقوانين المدنية؟

إنهم لن يجرؤوا على شيء، لذا فإنهم  مأزومون يستحقون الرثاء، أما الذين يدفعون الى خلاص فتح وخلاص الفلسطينيين من كابوس عباس، ومعهم النواب المُحصنون رغمه انفه، فإنهم الساخرون الضاحكون!