أخر الأخبار
لم يعد إسقاط عباس شأناً فتحاوياً
لم يعد إسقاط عباس شأناً فتحاوياً

في هذا الخضم العسير، وبينما عباس يرتطم بالجميع، تتكثف أمام ناظر الفلسطينيين، محصلة شوط طويل وعنيد، يدفع اليه كثيرون من أعداء شعبنا، لصناعة التردي وصولاً الى تفكك الحركة الوطنية الفلسطيية ونظامها السياسي. فقد بدأ المشوار،  باستنكاف عباس عن أي عمل من شأنه التصدي للأسباب التي أدت الى الفشل الفتحاوي الذريع في انتخابات يناير 2006. وليته اكتفى بعدم المبادرة الى المعالجة أو لم يفكر فيها وحسب، وإنما تعمد أن يفاقم أسباب الخراب، ومن بينها الفساد، الذي جعل الناخب الفلسطيني يفقد ثقته في حركة الشهداء. وعوضاً عن البدء في الإصلاح، اعتمد عباس الفساد منهجاً لنظامه، بعد أن كان مجرد ممارسات أفراد، تورطوا في استغلال النفوذ والإثراء الفردي، مباشرة أو عبر الأبناء والشركاء والوسطاء والأزلام. وأوصل رئيس السلطات كلها، الى الحال الفلسطينية الى ذروة الرداءة التي من شأنها الإجهاز على أية حركة تحرر، وشمل الفساد اللغة السياسية، والضمائر وذمم المتصدرين للعمل العام، واجتاح التفلت والفلتان والانحراف، المؤسسات الدستورية والجهاز القضاء والمؤسسة الأمنية.

كان الوطنيون الفتحاويون يأملون، بعد  الخسارة في الانتخابات العامة في يناير 2006 أن يتمكنوا من البدء بعملية إصلاح ونهوض، ولو من باب إدراك معنى الخلاصة التي تمسك بها الكثيرون، وتقول إن الناخب الفلسطيني لم يمنح حركة حماس تلك الأغلبية في المجلس التشريعي، إلا لأنه أراد إنزال العقاب الشديد بحركة فتح، علماً بأن ذلك لا يلغي حقيقة أن اعتبارات أخرى، كانت قد تدخلت في تكييف ميول الناخب الفلسطيني، مثل فشل اتفاقيات أوسلو، وعجز السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تُعد فتح  عمودها الفقري، وفصيلها الأبرز والأقوى!

كان ما فعله عباس، ليس اجتثاث آفة الفساد المالي والإدراي، وإنما تعزيزه بفساده الشخصي الفاقع، المترافق مع استغلال فظ للنفوذ، من طرفه وطرف أولاده، واستحواذه على مقدرات حركة فتح وصندوق الاستثمار، وتجنيد العناصر التي تساعد على استمرار وضع اليد على كل ما يتعلق بممتلكات الحركة، وإضعاف أطرها لكي لا يسأله أحد عن شيء، ولكي يصبح انحراف السياسات على كل صعيد، سمة لحياتنا السياسية، وعنصراً مسبباً لنزع ثقة الناس بالطبقة السياسية، بل بالسياسة من حيث كونها سياقاً للعمل الوطني وثقافة موصولة بقضية المصير!

 ومعلوم أن العناصر الطفيلية، التي انتهى عباس بتأسيس حزبه وعصبيته منها، قد انتعشت في أوقات العدوان والمواجهات العسيرة مع العدو. وعندما حلّت التهدئة وأتيح للناس التقاط الأنفاس، كان المفترض أن تبدأ معالجة الانحرافات وتخليص النظام السياسي من الشوائب التي لحقت به، وملاحقة كل عناوين الإطاحة بقيم العمل الوطني العام واستبعاد الطفيليين وعناصر السوء، لكن ما فعله عباس هو العكس تماماً، إذ مضى بصفاقة  لتكريس الأوضاع التي تساعده على التفرد، واستبعد العناصر الوطنية، بشتى الطرق التي اتيحت له، من الإحالة الى التقاعد الى الإقصاء المباشر، مستشعراً القوة والمباهاة بأنه جلب استقراراً، بصرف النظر عن ثمنه وشروطه، ومن بينها التمادي في التنسيق الأمني مع العدو، أي الانحياز للاحتلال من خلال التعاون. وكأن الاستقرار تحت الاحتلال، والتزام موقف الحياد، هو من أولويات الحركة الوطنية أو من بين أهدافها. 

الآن، وبعد أن استشعر عباس القدرة على أن يفعل ما يريد؛ لم تعد المسألة تخص فتح وحدها، وإن كان الفتحاويون يتحملون المسؤولية الأولى عن تمادي الرجل وتغوله، فيما هو غير ذي حيثيات تتعلق بعناصر القوة السياسية، أو المناقبية النضالية، أو حتى الخلائق الشخصية التي يتسم بها الإنسان الكيّس. فالمسألة باتت تخص الطيف الفلسطيني كله، لما لسياسات عباس من آثار تدميرية لسمعة حركة النضال الفلسطيني، ولمدركات القضيىة وللثقافة السياسية وللنظام الوطني.

فلم يعد الأمر قابلاً للاستمرار في الصمت، والاكتفاء بالنظر الى كابوس عباس باعتباره شأناً فتحاوياً. فهو لم يستطع حرمان الفتحاويين الذين تعرضوا للإقصاء، من شيء ذي قيمة، لأن الذين لم يُعلن عن إقصائهم لا يمارسون أي دور ولا وزن لهم. فالطعنة النجلاء التي يوجهها عباس هي للنظام الوطني وللقضية ولثقافة المقاومة ولحق الناس في حُكم يمثلهم ويراعي مصالحهم ويحترم الإرادة الشعبية.

لا موجب لتضييع الوقات والرهان على إمكانية كبح جماح عباس أو إصلاح شأنه. فليس أقل الآن من الدفع لإسقاط عباس وملاحقته!